شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب نوم الرجال في المسجد

          ░58▒ بَابُ: نَوْمِ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ.
          وَقَالَ أَنَسٌ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ على النَّبِيِّ صلعم فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ.
          وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ فُقَرَاءَ.
          فيهِ: ابنُ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ، وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لا أَهْلَ لَهُ(1)، فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلعم. [خ¦440]
          وفيهِ: سَهْلُ بنُ سَعْدٍ: (أَنَّ عَلِيًّا غَاضَبَ فَاطِمَةَ فَخَرَجَ وَلَمْ يَقِلْ عِنْدِها، فَجَاءَ المَسْجِدَ فرَقَدَ(2) فِيْهِ، فَطَلَبَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم، فَجَاءَهُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ(3) سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ(4) أَبَا تُرَابٍ). [خ¦441]
          قال المُهَلَّبُ: في هذا الباب مِن الفِقْهِ: جواز سُكْنَى الفقراء(5) في المسجد وجواز النَّوم فيه لغير الفقراء، وقد اختلف العلماء في ذلك، فممَّن رخصَّ النَّوم في المسجد ابنُ عُمَرَ(6) وقالَ: كُنَّا نبيت فيه ونقيل على عهد رَسُولِ اللهِ صلعم، وعَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ والحَسَنِ البصريِّ(7) وعَطَاءٍ وابنِ سِيرِينَ مثله، وهو قول الشَّافعيِّ، واختلف(8) عن ابنِ عَبَّاسٍ فرُوِيَ عنه أنَّه قال: لا تتَّخذوا المسجد مَرْقَدًا(9)، ورُوِيَ عنه أنَّه قال: إن كنت تنام فيه لصَّلاة فلا بأس.
          وقالَ مالكٌ: لا أحبُّ لمن له منزلٌ أن يبيت في المسجد، وسَهَّلَ فيه للضعيف ولمن لا منزل له، وهو قول أحمدَ وإِسْحَاقَ، وقال(10) مالكٌ: وقد كان أضياف النَّبيِّ(11) صلعم يبيتون في المسجد، وكره النَّوم في المسجد: ابنُ مَسْعُودٍ وطَاوُسٌ ومجاهدٌ وهو قول الأوزاعيِّ.
          وقول مَن أجاز النَّوم فيه للغرباء وغيرهم أَوْلى لأحاديث هذا الباب، وقد سُئِلَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ وسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ عنِ النَّوم في المسجد فقالا(12): كيف تسألون عنها، وقد كان أهل الصُّفَّةِ ينامون فيه وهم قومٌ كان مسكنهم المسجد.
          وذكر الطَّبَرِيُّ عنِ الحَسَنِ قالَ: رأيت عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ نائمًا في المسجد ليس حوله أَحَدٌ وهو أمير المؤمنين، قال: وقد نام في المسجد جماعةٌ مِن السَّلف، قال الطَّبَرِيُّ: فغير محذورٍ(13) الانتفاع بالمساجد في ما يحلُّ: كالأكل والشُّرب والجُلُوس وشبه النَّوم مِن الأعمال.
          وقال الحَرْبِيُّ(14): الصُّفَّةُ في مسجد النَّبيِّ صلعم موضعٌ مظلَّلٌ يأوي إليه المساكين.
          وفي حديث سَهْلٍ من الفِقْهِ(15): الممازحة للغاضب بالتَّكْنِيَةِ بغير كُنْيَتِهِ(16) إذا كان ذلك لا يغضبه(17) ولا يكرهه؛ بل يؤنسه مِن حرجه، وفيه: مداراة الصِّهر وتسلية(18) أمره مِن عتابه، وفيه: جواز التَّكْنِيَةِ بغير الولد، وفيه: أنَّ الملابس كلَّها يحاول بها ستر العورة وأنَّه لا ملبس لمن بدتْ عورته.


[1] قوله: ((لا أهل له)) ليس في (م).
[2] في (م): ((ورقد)).
[3] في المطبوع و(م) و(ص): ((وقد)).
[4] زاد في (م): ((يا)).
[5] في (م): ((الفقير)).
[6] في (م): ((في ذلك، فرخَّص في النَّوم في المسجد ابن عمر)).
[7] قوله: ((والحسن البصري)) ليس في (ص).
[8] زاد في (م): ((فيه)).
[9] في (م): ((مرورًا)).
[10] في (م): ((قال)).
[11] في (ص): ((الرسول)).
[12] في (م): ((فقال)).
[13] في (م): ((محظر)).
[14] في (م): ((قال الجوينيُّ)).
[15] زاد في (م): ((أيضًا)).
[16] قوله ((بغير كنيته)) ليس في (م).
[17] في (م): ((يغيظه)).
[18] في حاشية (ص): ((وتسهيل)).