شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضًا في المسجد

          ░76▒ بَابُ: الاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ(1): (بَعَثَ النَّبيُّ(2) صلعم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبيُّ صلعم، فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إلى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ). [خ¦462]
          اختلف العلماء هل على مَن أسلمَ غُسْلٌ؟ على ثلاثة أقوالٍ، واختلف في ذلك قولُ مالكٍ أيضًا، فقال في «المدوَّنة»: إذا أسلم النَّصرانيُّ فعليه(3) الغُسْلُ لأنَّهم لا يتطهَّرون، وممَّن أوجب عليه الغُسْل أحمدُ بنُ حنبلٍ وأَبُو ثَوْرٍ. والقول الثاني: روى ابنُ وَهْبٍ وابنُ أبي أويسٍ عن مالكٍ أنَّه سُئِلَ عن رجلٍ أسلم هل يجب عليه غُسْلٌ أم يكفيه الوضوء؟ قال: لم يبلغنا أنَّ رَسُولَ الله صلعم أمرَ أحدًا أسلم بالغُسْلِ. والقول الثالث: قالَ ابنُ المنذرِ: قال الشَّافعيُّ: أُحِبُّ أن يغتسلَ(4) فإن لم يكن جُنُبًا أجزأَهُ أَنْ يتوضَّأَ، ولابن القاسِمِ في «العُتْبِيَّةِ» مثلُهُ قالَ:(5) مَنْ أسلَمَ فعليهِ أَنْ يغتسلَ، فإِنْ توضَّأَ وصَلَّى ولمْ يغتسل أعادَ أبدًا إذا كان قد جَامَعَ أو كان جُنُبًا، وهذا يدلُّ(6) مِن قولِهِ(7): إنْ لم يكن جُنُبًا أنَّه يُجزئه الوضوء كما قال الشَّافعيُّ، قالَ المُهَلَّبُ: وحديث ثُمَامَةَ حُجَّةٌ لرواية ابنِ وَهْبٍ وابنِ أبي أويسٍ؛ لأنَّ ثُمَامَةَ حينَ انطلقَ فاغتسلَ(8)، ثمَّ دخلَ المسجدَ، ثمَّ شهدَ بالإسلامِ، وليس في الحديث أنَّ النَّبيَّ صلعم أمرَهُ بالاغتسالِ، ولذلك قالَ مالكٌ: لم يبلغْنا أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أمرَ أحدًا أسلمَ بالغُسْلِ(9)، قالَ(10) أَبُو عبدِ اللهِ بنُ أبي صُفْرَةَ: وأمَّا قول مالكٍ الآخر: عليه الغُسْلُ؛ لأنَّهم لا يتطهَّرون، فإنَّ معناه لا يتطهَّرون مِن النَّجاسة في أبدانهم، لا يجوز غير هذا لأنَّه يستحيل عليهم التَّطهير مِن الجنابة وإن نَووها لعدم الشَّرع، فسقط قول الشَّافعيِّ وابنِ القَاسِمِ. قالَ أبو عبدِ اللهِ: فإن قيل(11): إذا كان عندك غير جُنُبٍ فلا يكون(12) محدثًا فأبحْ(13) له الصَّلاة بغير وضوءٍ. فالجواب: أنَّه إذا أسلم وهو غير جُنُبٍ ولا متوضِّئٍ، فوجب أن يتوضَّأ للصَّلاة إذا كان غير متوضِّئٍ، كما لا يغتسل لأنَّه غير جُنُبٍ، وإنمَّا اغتسالُهُ سُنَّةٌ لما قال مالكٌ أنَّهم لا يتطهَّرون مِن النَّجاسة في أبدانهم.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] في (ص): ((الرسول)).
[3] في (م): ((عليه)).
[4] في (م): ((يغسل)).
[5] في (م): ((ولابن القاسم مثله قال في «العُتبيَّة»)).
[6] في (ص): ((بدل)).
[7] زاد في (م): ((إنَّه)).
[8] في (م): ((حين أطلق انطلق واغتسل)).
[9] في (م): ((بالاغتسال)).
[10] في (م): ((وقال)).
[11] زاد في (م): ((إنَّه)).
[12] في (ص): ((يكن)).
[13] في المطبوع: ((فأبيح)).