إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذًا يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة

          4677- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدٌ) هو ابن النَّضر النَّيسابوريُّ، أو(1) ابن إبراهيم البوشنجيُّ، أو ابن يحيى الذُّهليُّ، وبالأوَّلَين قال الحاكم، وبالأخير أبو عليٍّ الغسَّانيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ) نسبه لجدِّه، واسم أبيه: عبد الله بن أبي شعيبٍ مسلمٍ، قال الحافظ ابن حجرٍ: وقع في رواية ابن السَّكن: ”حدَّثني أحمد بن أبي شعيبٍ“ من غير ذكر «محمَّد» المختلف فيه، والأوَّل هو المشهور وإن كان أحمد بن أبي شعيب من مشايخ المؤلِّف، قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ) بفتح الهمزة والتَّحتيَّة بينهما عينٌ ساكنةٌ وآخره نونٌ، الجَزَريُّ _بالجيم والزَّاي والرَّاء_ قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ) الجزريُّ أيضًا: (أَنَّ الزُّهْرِيَّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ (حَدَّثَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) عبد الله (قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَهْوَ) أي: كعبٌ (أَحَدُ الثَّلَاثَةِ) هو وهلال بن أميَّة ومرارة بن الرَّبيع(2) (الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ) بكسر الفوقيَّة وسكون التَّحتيَّة، مجهولُ تاب يتوب توبةً (أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ: غَزْوَةِ العُسْرَةِ) بضمِّ العين وسكون السِّين المهملتين؛ وهي غزوة تبوك (وَغَزْوَةِ بَدْرٍ، قَالَ: فَأَجْمَعْتُ صِدْقَ رَسُولِ اللهِ) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”صدقي رسول الله“ ( صلعم ) أي: بعد أن بلغه أنَّه ╕ توجَّه قافلًا من الغزو، واهتمَّ لتخلُّفه من غير عذرٍ، وتفكَّر بما(3) يخرج به من سخط الرَّسول، وطفق يتذكَّر الكذب لذلك، فأزاح الله عنه الباطل، فأجمع على الصِّدق، أي: جزم به وعقد عليه قصده، وأصبح رسول الله‼ صلعم قادمًا في رمضان (ضُحًى) وسقطت هذه اللَّفظة من كثيرٍ من الأصول (وَكَانَ) ╕ (قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ / سَافَرَهُ إِلَّا ضُحًى، وَكَانَ يَبْدَأُ بِالمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ) فيه (رَكْعَتَيْنِ) قبل أن يدخل منزله (وَنَهَى النَّبِيُّ صلعم ) أي: بعد أن اعترف بين يديه أنَّه تخلَّف من غير عذرٍ، وقوله ╕ له: «قم حتَّى يقضيَ الله فيك» [خ¦4418] (عَنْ كَلَامِي وَكَلَامِ صَاحِبَيَّ) هلال ومرارة(4) لكونهما تخلَّفا من غير عذرٍ واعترفا كذلك (وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ المُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا) وهم الَّذين اعتذروا إليه وقَبِل منهم(5) علانيتهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، وكانوا بضعةً وثمانين رجلًا (فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلَامَنَا) أيُّها الثَّلاثة، قال كعبٌ: (فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الأَمْرُ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيُّ صلعم ، أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَأَكُونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ المَنْزِلَةِ، فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ) بكسر لام «يصلِّي»، وفي نسخةٍ ”يُصلَّى“ بفتحها، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”ولا يسلِّم علَيَّ“ بدل ”يصلِّي“ وفي نسخةٍ حكاها القاضي عياضٌ عن بعض الرُّواة: ”ولا يسلِّمني“ والمعروف أنَّ فعل السَّلام إنَّما يتعدَّى بـ «على»، وقد يكون إتباعًا لـ «يكلِّمني» قال القاضي: أو يرجع إلى قول من فسَّر السَّلام بأنَّ معناه: إنَّك مسلَّمٌ منِّي، قال في «المصابيح»: وسقطت «ولا يسلِّمني» للأَصيليِّ، كذا قال، فليُحرَّر (فَأَنْزَلَ اللهُ) ╡ (تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ صلعم حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ(6) مِنَ اللَّيْلِ) بعد مضيِّ خمسين ليلةً من النَّهي عن كلامهم (وَرَسُولُ اللهِ صلعم عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ) ╦ ، والواو للحال (وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مَعْنِيَّةً) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النُّون وتشديد التَّحتيَّة، أي: ذات اعتناءٍ، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”مُعِيْنَة“(7) بضمِّ الميم وكسر العين فتحتيَّةٍ ساكنةٍ فنونٍ مفتوحةٍ، أي: ذات إعانةٍ (فِي أَمْرِي)(8) قال العينيُّ: وليست بمشتقَّةٍ من العون كما قاله بعضهم؛ يريد: الحافظ ابن حجرٍ، وقد رأيت في هامش الفرع ممَّا عزاه لـ «اليونينية»، ورأيته فيها(9) عن عياضٍ: ”مَعْنية“ يعني: بفتح الميم وسكون العين، كذا عند الأَصيليِّ، ولغيره: ”مُعِينة“(10) بضمِّ الميم، أي: وكسر العين من العون، قال: والأوَّل أليق بالحديث (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ‼: يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ، قَالَتْ: أَفَلَا) بهمزة الاستفهام (أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ؟ قَالَ: إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ) بفتح أوَّله وكسر ثالثه، منصوبٌ بـ «إذًا» من الحَطْم بالحاء والطَّاء المهملتين؛ وهو الدَّوْس، وللمستملي والكُشْميهَنيِّ: ”يخطَفَكم“ بفتح ثالثه(11) والنَّصب، من الخَطْف؛ بالخاء المعجمة والفاء، وهو مجازٌ عن الازدحام (فَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ) بإثبات النُّون بعد الواو، وللأَصيليِّ: ”فيمنعوكم“ بحذفها (سَائِرَ اللَّيْلَةِ) أي باقيها (حتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلعم صَلَاةَ الفَجْرِ؛ آذَنَ) بمدِّ الهمزة، أي: أعلم (بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا، وَكَانَ) ╕ (إِذَا اسْتَبْشَرَ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ القَمَرِ) شُبِّه به دون الشَّمس؛ لأنَّه يملأ الأرض بنوره، ويُؤنِسُ كلَّ من شاهده، ومجمع النُّور من غير أذًى، ويُتمكَّن من النَّظر إليه بخلاف الشَّمس؛ فإنَّها تكلُّ البصر، فلا يتمكَّن البصر من رؤيتها(12) والتَّقييد بالقطعة مع كثرة ما ورد في كثير من كلام البلغاء من التَّشبيه بالقمر من غير تقييدٍ، وقد كان كعبٌ قائل هذا من شعراء الصَّحابة، فلا بدَّ في التَّقييد بذلك من حكمةٍ، وما قيل في ذلك من الاحتراز(13) من السَّواد الَّذي في القمر ليس بقويٍّ؛ لأنَّ المراد بتشبيهه(14) ما في القمر من الضِّياء والاستنارة، وهو في تمامه لا يكون فيها أقلَّ ممَّا(15) في القطعة المجرَّدة، فكأنَّ التَّشبيه وقع على بعض الوجه، فناسبَ أن يشبَّه ببعض(16) القمر (وَكُنَّا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ) بلفظ النِّداء، ومعناه: الاختصاص (الَّذِينَ خُلِّفُوا) ولأبي ذَرٍّ: ”خلفنا“ (عَنِ الأَمْرِ الَّذِي قُبِلَ) بضمِّ أوَّله مبنيًّا للمفعول كالسَّابق (مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا) ووكَّل سرائرهم(17) إلى الله ╡، وليس المراد التخلُّف(18) عن الغزو، بل التَّخلُّف عن حكم أمثالهم من المتخلِّفين عن الغزو الَّذين اعتذروا وقُبِلُوا (حِينَ أَنْزَلَ اللهُ) ╡ (لَنَا التَّوْبَةَ، فَلَمَّا ذُكِرَ) بضمِّ الذَّال (الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللهِ صلعم مِنَ المُتَخَلِّفِينَ) بتخفيف ذال «كَذَبوا» ونصب «رسولَ» / ؛ لأنَّ «كَذَبَ» يتعدَّى بدون الصِّلة (فَاعْتَذَرُوا بِالبَاطِلِ؛ ذُكِرُوا بِشَرِّ مَا ذُكِرَ بِهِ أَحَدٌ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ}) أي: في التَّخلُّف ({ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ}) من الغزو ({قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ}) بالمعاذير الكاذبة ({لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ}) لن نصدِّقكم أنَّ لكم عذرًا ({قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} الاية[التوبة:94]) يعني: إن تبتم وأصلحتم؛ رأى الله عملكم وجازاكم(19) عليه، وذِكْرُ الرَّسولِ لأنَّه شهيدٌ عليهم(20) ولهم، وسقط قوله: «الآيةَ» لأبي ذَرٍّ.
          وهذا الحديث قطعةٌ من حديث كعبٍ، وقد ذكره المؤلِّف تامَّا في «المغازي» [خ¦4418].


[1] في (د) و(م): «النَّيسابوريُّ ابن»، وليس بصحيح.
[2] زيد في (د): «وكعب بن مالكٍ».
[3] في (ب) و(س): «فيما».
[4] في (ج) و(ص) و(ل) و(م): «أميَّة»، ولا يصحُّ.
[5] «منهم»: ليس في (د).
[6] في (د): «الأخير».
[7] زيد في (د): «في أمري».
[8] «في أمري»: ليس في (د).
[9] «ورأيته فيها»: سقط من (د).
[10] قوله: «يعني: بفتح الميم وسكون العين، كذا عند الأصيليِّ، ولغيره: مُعِينة»، سقط من (ص).
[11] في (د) و(م): «تاليه»، ولا يصحُّ.
[12] «من رؤيتها»: ليس في (د) و(م)، وفي (ص): «النَّظر إليها».
[13] في (ب) و(س): «أنَّه احتراز».
[14] في (د): «تشبيه»، ولا يصحُّ.
[15] في (ص): «ما»، وهو تحريفٌ.
[16] في (ص): «بعض».
[17] في (ص): «أمرهم».
[18] في (د): «بالتَّخلُّف».
[19] في (د): «وجزاكم».
[20] في (ص): «عليكم»، ولا يصحُّ.