إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين}

          ░1▒ (بابُ قَوْله) ╡: ({بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}) أي: هذه براءةٌ مبتدأٌ صدورها من الله تعالى، وغاية انتهائها: ({إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ}[التوبة:1]) فـ {بَرَاءةٌ} خبر مبتدأ محذوفٍ، وقيل: مبتدأٌ خبره: {إِلَى الَّذِينَ} وجاز الابتداء بالنَّكرة؛ لأنَّها تخصَّصت بالجارِّ بعدها، والمعنى: أنَّ الله ورسوله برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين، وذلك أنَّهم عاهدوا مشركي العرب، فنكثوا، ولم يفِ به إلَّا بنو ضمرة وبنو كنانة، فأمرهم بنبذ العهد إلى من نقضه، وأُمِروا أن يسيحوا الأربعة أشهر(1) الحرم؛ صيانةً لها من القتال.
          وقوله: ({وَ أُذُنٌ}) أي: (إعلامٌ) يقال: آذنته إيذانًا وأذانًا، وهو اسمٌ قام مقام المصدر، وسقط هذا لغير أبي ذرٍّ (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ممَّا رواه ابن أبي حاتمٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه في قوله: {وَيِقُولُونَ هُوَ} ({أُذُنٌ}[التوبة:61]: يُصَدِّقُ) كلَّ ما سَمِع، وسُمِّي بالجارحة للمبالغة، كأنَّه من فرط سماعه صار جملة آلة السَّماع، كما سُمِّي الجاسوس عينًا؛ لذلك.
          وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ({تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[التوبة:103]) بمعنًى واحدٍ(2)؛ لأنَّ الزَّكاة والتَّزكية في اللُّغة: الطَّهارة (وَنَحْوُهَا) وفي نسخةٍ: ”ونحو هذا“ (كَثِيرٌ) في القرآن، أو في لغات العرب (وَالزَّكَاةُ: الطَّاعَةُ وَالإِخْلَاصُ) أي: تأتي بمعناهما، رواه ابن أبي حاتمٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة‼ عن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[التوبة:103] قال: «الزَّكاة: طاعة الله والإخلاص» وقوله تعالى في سورة فصَّلت: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ} ({لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[فصلت:7]) قال ابن عبَّاسٍ فيما رواه عليُّ بن أبي طلحة عنه: (لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وهذا ذكره استطرادًا.
          وقوله تعالى: ({يُضَاهِؤُونَ}[التوبة:30]) قال ابن عبَّاس فيما رواه ابن أبي حاتمٍ عن عليِّ ابن أبي طلحة عنه(3): (يُشَبِّهُونَ) وقال / أبو عبيدة: هي التَّشبيه، وقال القاضي أي: يضاهي قولهم قول الذين كفروا، فحُذِف المضاف وأُقِيم المضاف إليه مُقامه، والمضاهاة: المشابهة، وهذا إخبارٌ من الله تعالى عن قول اليهود: عزيرٌ ابن الله، والنَّصارى(4): المسيح ابن الله، فأكذبهم الله تعالى بقوله: {ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ}[التوبة:30] والتَّقييد بكونه بأفواههم مع أنَّ القول لا يكون إلَّا بالفم للإشعار بأنَّه لا دليل عليه، فهو كالمهملات، لم يقصد بها الدَّلالة على المعاني، وقول اليهود هذا كان مذهبًا مشهورًا عندهم، أو قاله بعضٌ من متقدِّميهم، أو من كان بالمدينة، وإنَّما قالوا(5) ذلك؛ لأنَّه لم يبقَ فيهم بعد وقعة بختنصر مَنْ يحفظ التَّوراة، فلمَّا أحياه الله بعد مئة عامٍ وأملى عليهم التَّوراة حفظًا؛ فتعجَّبوا من ذلك وقالوا: ما هذا إلا لأنَّه ابن الله، والدَّليل على أنَّ هذا القول كان فيهم(6): أنَّ الآية قُرِئَت عليهم، فلم يُكذِّبوا مع تهالكهم على التَّكذيب.


[1] في غير (د): «الأشهر».
[2] «بمعنًى واحدٍ»: ليس في (د).
[3] قوله: «قال ابن عبَّاس فيما رواه ابن أبي حاتمٍ عن عليِّ بن أبي طلحة عنه»، سقط من (د).
[4] «النَّصارى»: سقط من (د).
[5] «قالوا»: مثبتٌ من (د) و(س).
[6] في (د): «منهم».