إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا}

          ░15▒ ({وَآخَرُونَ}) نسقٌ على قوله: {مُنَافِقُونَ}[التوبة:101] أي: وممَّن حولكم قومٌ آخرون غير المذكورين، ولأبي ذَرٍّ: ”باب قوله: {وَآخَرُونَ}“(1) ({ اعْتَرَفُواْ}) أقرُّوا ({بِذُنُوبِهِمْ}) ولم يعتذروا من تخلُّفهم بالمعاذير الكاذبة ({خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}) الجهادَ والتَّخلف عنه، أو إظهار النَّدم والاعتراف بآخرَ سيِّئٍ؛ وهو التَّخلف(2) وموافقة أهل النِّفاق، ومجرَّد الاعتراف ليس بتوبةٍ، لكن رُوِيَ أنَّهم تابوا وكان الاعتراف مقدِّمة التَّوبة، وكلٌّ منهما مخلوطٌ بالآخر؛ كقولك: خلطت الماء واللَّبن، فكلٌّ مخلوطٌ ومخلوطٌ به الآخر، ولو قلت: خلطت الماء باللَّبن؛ كان الماء مخلوطًا واللَّبن مخلوطًا به فإذا قلت: بالواو جعلت الماء واللَّبن مخلوطين ومخلوطًا بهما، كأنَّك قلت: خلطت الماء باللَّبن واللَّبن بالماء(3)، وهو استعارةٌ عن الجمع بينهما ({عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}) جملةٌ مستأنفةٌ، و{عَسَى} من الله واجبٌ، وإنَّما عبّر بها؛ للإشعار بأنَّ ما يفعله تعالى ليس إلَّا على سبيل التَّفضُّل منه(4) سبحانه، حتَّى لا يتَّكل المرء بل يكون على خوفٍ وحذرٍ، والمعنى: عسى الله أن يقبل توبتهم، فإن قلت: كيف قال: {أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} ولم يسبق للتَّوبة ذكرٌ؟ أجِيبَ بأنَّه مدلولٌ عليها بقوله: {اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ} قاله في «الأنوار» كـ «الكشَّاف» ({إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[التوبة:102]) وسقط قوله: «{خَلَطُواْ}...» إلى آخره لأبي ذَرٍّ، وقال بعد قوله: { بِذُنُوبِهِمْ}: ”الآيةَ“ قال ابن كثيرٍ(5): وهذه الآية وإن كانت في أناسٍ معيَّنين إلَّا أنَّها عامَّةٌ في كلِّ المذنبين الخطَّائين، وقد قال مجاهدٌ: نزلت في أبي لُبابة لمَّا قال لبني قريظة: «إنَّه الذَّبْحُ(6) وأشار بيده إلى حلقه» قال ابن عبَّاسٍ: «في أبي لبابةَ وجماعةٍ من أصحابه، تخلَّفوا‼ عن غزوة تبوك» وقال بعضهم: أبو لبابة وخمسةٌ معه، وقيل: وسبعةٌ، وقيل: وتسعةٌ، فلمَّا رجع النَّبيُّ صلعم من غزوته؛ ربطوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا لا يحلُّهم إلَّا رسول الله صلعم ، فلما أنزل الله الآية أطلقهم صلعم ، وعفا عنهم.


[1] قوله: «ولأبي ذَرٍّ: باب قوله: {وَآخَرُونَ}»، سقط من (د).
[2] «والاعتراف بآخر سيِّئٍ؛ وهو التَّخلُّف»: سقط من (د).
[3] قوله: «فإذا قلت: بالواو جعلت الماء واللَّبن... خلطت الماء باللَّبن واللَّبن بالماء»، مثبت من (د) و(م).
[4] «منه»: ليس في (د).
[5] في (د) و(م): «المنيِّر».
[6] في (ص): «الذَّبائح»، ولا يصحُّ.