إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{فسيحوا في الأرض أربعة أشهر}
  
              

          ░2▒ (بَاب قَوْله) تعالى: ({فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}) أوَّلها شوَّالٌ، وآخرها سلخ(1) المحرَّم، قاله الزُّهريُّ، أو من يوم النَّحر إلى عشرين من ربيع الآخر، واستشكل ابن كثيرٍ الأوَّل: بأنَّهم كيف يحاسبون بمدَّةٍ لم يبلغهم حكمها وإنَّما ظهر لهم أمرها‼ يوم النَّحر؟ كما يأتي إن شاء الله تعالى، واستشكَلَ غيرُه القولين: بأنَّه لم يكن ذلك كلُّه الأشهر الحرم المشار إليها في قوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ}[التوبة:5] وأجيب باحتمال أن يكون من قبيل التَّغليب، وهذا أمرٌ من الله لناقضي العهد كما مرَّ، وروى سعيد بن منصورٍ والنَّسائيُّ عن زيد بن يُثَيْعٍ؛ بتحتيَّةٍ مضمومةٍ وقد تُبدَل همزةً بعدها مثلَّثةٌ مفتوحةٌ فتحتيَّةٌ ساكنةٌ فعينٌ مهملةٌ، الهَمْدانيُّ الكوفيُّ المخضرم، قال: «سألت عليًّا: بأيِّ شيء بُعِثْتَ؟ قال: بأنَّه لا يدخل الجنَّة إلا نفسٌ مؤمنةٌ، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلمٌ ومشركٌ في الحجِّ بعد عامهم هذا، ومن كان له عهدٌ فعهده إلى مُدَّته، ومن لم يكن له عهدٌ؛ فأربعة أشهرٍ» واستُدِلَّ بهذا الأخير _كما قاله ابن حجرٍ وغيره_ على أنَّ قوله تعالى: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}[التوبة:2] مختصٌّ بمن لم يكن له عهدٌ مؤقَّتٌ(2)، أو من لم يكن له عهدٌ أصلًا، وأمَّا من له عهدٌ مؤقَّتٌ فهو إلى مدَّته، وروى الطَّبريُّ(3) من طريق ابن إسحاق قال: هم صنفان: صنفٌ كان له(4) عهدٌ دون أربعة أشهرٍ، فأُمهِل تمام أربعة أشهرٍ، وصنفٌ كانت مدَّة عهده(5) بغير أجلٍ، فقُصِرَت على أربعة أشهرٍ، وعن ابن عبَّاسٍ: أنَّ الأربعة أشهر(6) أَجَلُ من كان له عهدٌ مؤقَّتٌ بقدرها أو يزيد عليها، وأنَّ من ليس له عهدٌ؛ فانقضاؤه إلى سلخ المحرَّم؛ لقوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ}[التوبة:5] وعن الزُّهريِّ(7) قال: كان أوَّل أربعة أشهر(8) عند نزول براءة في شوَّال، وكان آخرها آخر المحرَّم، وبذلك يُجمَع بين(9) الأربعة أشهر وبين قوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ}[التوبة:5].
          ({وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ}) أي: لا تفوتونه وإن أمهلكم ({وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}[التوبة:2]) مُذِلُّهم بالقتل والأسر في الدُّنيا والعذاب في الآخرة.
          (سِيحُوا) قال أبو عبيدة: أي(10): (سِيرُوا) وقال غيره: اتَّسعوا(11) في السَّير وأبعدوا عن العمارات، وسقط «باب قوله» لغير أبي ذرٍّ.

[1] «سلخ»: ليس في (د) و(م).
[2] في (ص): «بوقتٍ».
[3] في (د): «الطَّبرانيُّ»، ولعلَّه تحريفٌ.
[4] في (د): «لهم».
[5] في (د): «عهدهم».
[6] في غير (د): «الأشهر».
[7] في (د): «أبي هريرة»، وليس بصحيحٍ.
[8] في غير (د): «الأربعة الأشهر»، وكذا في الموضع اللاحق.
[9] زيد في (د): «ذكر».
[10] «أي»: ليس في (د).
[11] في (د): «اسعوا»، ولعلَّه تحريف.