إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار}

          ░17▒ (باب قَوْله) سبحانه وتعالى: ({لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ}) من إذنه للمنافقين في التَّخلُّف في غزوة تبوك، والأحسن أن يكون من قبيل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح:2] وقيل: هو بعثٌ على التَّوبة على سبيل التَّعريض؛ لأنَّه صلعم ممَّن يستغني عن التَّوبة، فوُصِفَ بها ليكون بعثًا للمؤمنين على التَّوبة على / سبيل التَّعريض، وإبانةً لفضلها ({وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}) أي: وتاب عليهم حقيقةً؛ لأنَّه لا ينفكُّ الإنسان عن الزَّلات، أو كانوا يتوبون عن وساوس تقع في قلوبهم ({الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}) حقيقةً بأن خرج أوَّلًا وتبعوه، أو مجازًا عن اتِّباعهم‼ أمره ونهيه ({فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}) في وقت الشِّدَّة الحاصلة لهم في غزوة تبوك، أي: من(1) عسرة الزَّاد والماء والظَّهر والقيظ وبُعْد الشُّقَّة(2)؛ إذ السَّفرة(3) كلُّها تبعٌ لتلك السَّاعة، وبها يقع الأجر على الله تعالى، وإن كان عُرْف السَّاعة لِما قلَّ من الزَّمن؛ كالقطعة من النَّهار؛ كساعات الرَّواح إلى الجمعة، فالمراد بها(4): من وقت الخروج إلى العود، رُوِيَ: أنَّه لمَّا نفد(5) زادهم؛ كان النَّفر منهم يمصُّون التَّمرة تداولًا بينهم، وأنَّهم(6) عطشوا حتَّى نحروا بعض إبلهم فشربوا عصارة ما في كروشها، حتَّى استسقى لهم صلعم ، فأمطرت عليهم سحابةٌ لم تتجاوزهم، وكان الرَّجلان والثَّلاثة يتعقَّبون البعير الواحد ({مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ}) عن الثَّبات على الإيمان، أو اتِّباع(7) الرَّسول؛ لِمَا نالهم من المشقَّة والشِّدَّة ({ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}) تكريرٌ للتَّوكيد من حيث المعنى، فيكون الضَّمير للنَّبيِّ صلعم والمهاجرين والأنصار، ويجوز أن يكون الضَّمير للفريق المذكور في قوله: {مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ} لصدور الكيدودة منهم ({إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة:117]) حين(8) تاب عليهم، وسقط قوله: «{فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}...» إلى آخره لأبي ذَرٍّ(9)، وقال بعد قوله: {اتَّبَعُوهُ}: ”الآيةَ“.


[1] في (د): «مع».
[2] في (ص): «المشقَّة».
[3] في (ص): «السَّفر».
[4] في (د): «هنا».
[5] في (ص): «فُقِدَ».
[6] «أنَّهم»: ليس في (د).
[7] في (د): «أو اتِّباعهم».
[8] في (د): «حتَّى».
[9] سقط قوله «لأبي ذر»: في (ج).