إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا}

          ░8▒ (باب قَوله) جلَّ وعلا: ({إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ}) العدَّة(1): مصدرٌ بمعنى: العدد، و {عِندَ اللّهِ} نُصِب به، أي: إنَّ(2) مبلغ عددها عنده تعالى ({اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}) نصب على التَّمييز، و{اثْنَا عَشَرَ}: خبر {إِنَّ} ({فِي كِتَابِ اللّهِ}) في اللَّوح المحفوظ؛ لأنَّه أصل الكتب، أو القرآن، أو فيما حكم به، وهو صفة لـ {اثْنَا عَشَرَ} ({يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ}) متعلِّق بـ {كِتَابِ}(3) على جعله مصدرًا ({مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة:36]) وإنَّما قيل لهذا المقدار من الزَّمان شهرٌ؛ لأنَّه يُشهَر(4) بالقمر، ومنه ابتداؤه وانتهاؤه، والقمر هو الشَّهر، قال:
فَأَصْبَحَ أَجْلَى الطَّرف ما يَسْتزيدُه                     يرى الشَّهر قبل النَّاسِ وهو كَحِيل
/ ({الْقَيِّمُ}) قال أبو عبيدة في «مجازه(5)»: (هُوَ(6) القَائِمُ) أي: المستقيم، وزاد أبو ذرٍّ ”{ذَلِكَ الدِّينُ}“ أي: تحريم الأشهر الحرم هو الدِّين المستقيم دين إبراهيم، وتخصيص بعض الزَّمان بالحرمة كليلة القدر والجمعة والعيد بالفضل دون بعضٍ؛ أنَّ النُّفوس مجبولةٌ على الشَّرِّ، يشقُّ عليها الامتناع عن الشَّرِّ بالكليَّة، فمُنِعَت عنه في بعض الأوقات لحرمته، وقد كانوا يعظِّمون هذه الأشهر حتَّى لو لقي الرَّجل قاتل أبيه لم يقتله، فأكَّد الله تعالى ذلك بأن منع الظُّلم فيها بقوله: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}[التوبة:36] أي: لا تُحلِّوا حرامها(7)؛ ولذا قيل: لا يحلُّ القتال فيها ولا في الحرم، والجمهور على أنَّ حرمة المقاتلة فيها منسوخةٌ، ويؤيِّده: ما رُوِي أنَّه صلعم حاصر الطَّائف في شهرٍ حرامٍ؛ وهو ذو القعدة، كما ثبت في «الصَّحيحين»(8): أنَّه حاصرها أربعين يومًا، وسقط «باب(9) قوله» لغير أبي ذرٍّ.


[1] «العدَّة»: ليس في (د).
[2] «إنَّ»: ليس في (د).
[3] زيد في (د): اسم الجلالة.
[4] في (د): «شُهر».
[5] في (ل): «قال أبو عبيدة: مجاز».
[6] «هو»: ليس في (د).
[7] في (د): «حرمتها».
[8] يستفاد ذلك من قول موسى بن عقبة [خ¦قبل4324] إن الطائف كانت في 8 شوال. انتهى. ودام الحصار أربعين يومًا فيكون بعض القتال في ذي القعدة.
[9] «باب»: ضُرِب عليها في (م).