إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله}
  
              

          ░6▒ (باب قَوْله) ╡: ({وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ}) {وَالَّذِينَ}: بالواو استئنافيةٌ، مبتدأٌ ضُمِّن معنى الشَّرط ودخلت الفاء في خبره(1)، وهو(2) قوله: ({فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[التوبة:34]) لذلك، ووحَّد‼ الضَّمير والسَّابقُ شيئان الذهب والفضة؛ لأنَّه يعود على المكنوزات، وهي أعمُّ من النَّقدين، أو عَوْدًا إلى الفضَّة؛ لأنَّها أقرب مذكورٍ، واكتفى ببيان حال صاحبها عن بيان حال صاحب الذَّهب، أو لأنَّ الفضَّة أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذَّهب، وتخصيصهما بالذِّكر مع أنَّ غيرهما إن لم تُؤدَّ زكاته؛ كأموال التِّجارة؛ يعذَّب صاحبه؛ لكونهما(3) ثمنًا له(4) في الغالب، وأصل الكنز: الجمع(5) وكلُّ شيءٍ جُمِع بعضه إلى بعضٍ فهو مكنوزٌ، وأكثر علماء الصَّحابة على أنَّ الكنز المذموم هو المال الذي لا تؤدَّى زكاته، ورُوِي عن عمر بن الخطَّاب ☺ : أيُّما «مالٍ أُدِّيت زكاته؛ فليس بكنزٍ وإن كان مدفونًا في الأرض، وأيُّما مالٍ لم تؤدَّ زكاته؛ فهو كنزٌ، يُكوَى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض». وقيل: المال الكثير إذا جُمِعَ، فهو الكنز(6) المذموم وإن أُدِّيت زكاته، واستُدِلَّ له بعموم اللَّفظ، وقوله ╕ المرويُّ في حديث عليٍّ عند عبد الرَّزَّاق، ولفظه: عن عليٍّ في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الاية[التوبة:34]: قال النَّبيُّ صلعم : «تبًّا للذَّهب، تبًّا للفضَّة(7)» يقولها ثلاثًا، قال: فشقَّ ذلك على أصحابه وقالوا: فأيَّ مالٍ نتَّخذ؟ فقال عمر ☺ : أنا أعلم لكم ذلك فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شقَّ عليهم(8) وقالوا: فأيَّ المال نتَّخذ؟ قال: «لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وزوجةً تعين أحدكم على دينه» ويمكن أن يُجاب بحمل ذلك على ترك الأَولى، لا أنَّه يُعذَّب الإنسان على مالٍ جمعه من حلٍّ وأخرج عنه حقَّ الله تعالى، وقد قال ╕ : «نِعْم المال الصَّالح للرَّجل الصَّالح»، وسقط «باب قوله» لغير أبي ذرٍّ.

[1] في (م): «حيزه»، ولعلَّه تصحيفٌ.
[2] زيد في (ص): «في».
[3] في (ب) و(د): «لكونها».
[4] في (د) و(ص): «لها».
[5] «وأصل الكنز الجمع»: جاء في غير (ب) و(س) سابقًا بعد قوله: «المعاملات من الذهب».
[6] في (ص): «المال»، ولعلَّه سبق نظرٍ.
[7] زيد في (د): «تبًا للفضَّة».
[8] زيد في (ب) و(س): «ذلك».