شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض

          ░120▒ بابُ الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ فِي الأَرْضِ.
          فيه(1): عَلِيٌّ: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلعم في جَنَازَةٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ بِعُودٍ، وَقَالَ: لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، قَالُوا: أَفَلا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية[الليل:5]). [خ¦6217]
          وفيه: أُمُّ سَلَمَةَ: (اسْتَيْقَظَ النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَن ِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ، يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ يُصَلِّينَ...) الحديث. [خ¦6218]
          قد(2) تقدَّم في الباب قبل هذا أنَّ الشُّعوبيَّة تطعن على خطباء العرب بأخذ(3) المخصرة عند مناقلة الكلام ومساجلة الخصوم، وعابوا الإشارة بالعصا والاتِّكاء على أطراف القِسِيِّ، وخدِّ وجه الأرض بها والاعتماد(4) عليها.
          وحديثُه صلعم أنَّه نكت وجه الأرض بمخصرة، وقال: (ليس منكم من(5) أحد إلا وقد فرغ من مقعده من الجنة والنار) حجَّة على مَن أنكرَها، والعصا مأخوذة(6) مِن أصل كريم ومعدن شريف ولا ينكرُها إلا جاهل، وقد جمع الله تعالى لموسى ◙ في عصاه مِن البراهين العظام والآيات الجسام ما آمن به السَّحرة المعاندون له(7). واتَّخذها سليمان بن داود لخطبتِه وموعظتِه وطول صلاتِه، وكان ابن مسعود صاحب عصا النَّبيِّ صلعم وعنزتِه، وكان النَّبيُّ صلعم يخطب بالقضيب وكفى بذلك دليلًا على شرف حال العصا، وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء، ورُوي عن النَّبيِّ صلعم: ((أَنَّهُ طَافَ بِالبَيْتِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ)) والمِحْجن العصا المعوجَّة، وكانت العصا لا تفارق يد سليمان بن داود صلَّى الله عليهما في مصافَّاته وصلواتِه وموتِه، وقال مالك: كان عطاء(8) بن يسَار يمسك المِخصرة ويستعين(9) بها.
          قال مالك: والرَّجل إذا كبر لم يكن مثل الشَّاب يتقوَّى بها عند قيامه، / وقد كان النَّاس إذا جاءَهم المطر خرجوا بالعِصيِّ يتوكَّؤون(10) عليها، حتَّى لقد كان الشَّباب يحبسون عصيَّهم، وربَّما أخذ ربيعة العصا مِن بعض مَن يجلس إليه حتَّى يقوم.
          وسألت المهلَّب عن حديث أمِّ سلمة فقلت له: ليس فيه معنى التَّرجمة، فقال(11): إنَّما هو مقوٍ لمعنى الحديث الَّذي قبلَه الموافق للتَّرجمة بالقدر السَّابق على كل نفس وكتاب(12) مقعدها مِن الجنَّة والنَّار في أمِّ الكتاب بقولِه: ((مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ)) يحذر أسباب القدر بالتَّعرض للفتن الَّتي بالغ في التَّحذير منها بقولِه صلعم: ((القَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ)) فلمَّا ذكر أنَّ لكل نفس مقعدَها مِن الجنة والنَّار، أكَّد التَّحذير مِن النَّار بأن ذكَّر النَّاس بأقوى أسباب النَّار وهي الفتن والعصبيَّة فيها والتَّقاتل على الولاية، وما يفتح الله(13) على النَّاس مِن الخزائن الَّتي تطغي وتبطر، وليس عليه تقصير في أَنْ أَدْخَلَ ما يوافق التَّرجمة ثم أتبعَه بما قوَّى معناه(14).


[1] في (ص): ((وفيه)).
[2] في (ص): ((وقد)).
[3] في (ص): ((في أخذ)).
[4] في (ص): ((واعتماده)).
[5] قوله: ((من)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((موجودة)).
[7] قوله: ((له)) ليس في (ص)
[8] قوله: ((كان عطاء)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((يستعين)).
[10] في (ص): ((يتكئون)).
[11] في (ص): ((قال)).
[12] في (ص): ((وفي كتاب)).
[13] قوله: ((الله)) ليس في (ص).
[14] كذا في (ز)، وفي (ص): ((بما يوافق معناها)).