شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: جعل الله الرحمة مئة جزء

          ░19▒ بابٌ جَعَلَ اللهُ الرَّحمة فِي مِائَةِ جُزْءٍ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبي صلعم قَالَ: (جَعَلَ اللهُ الرَّحمة في مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ في الأرْضِ وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ). [خ¦6000]
          قال المؤلِّف: قد جاء هذا الحديث في كتاب الزُّهد في باب الرَّجاء والخوف بغير هذا اللَّفظ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((إِنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحمة يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً)).
          قال المهلَّب: هذه الرَّحمة هي رحمتُه الَّتي خلقَها لعبادِه وجعلَها في نفوسِهم، والَّتي أمسك عند نفسِه هي ما يتراحمون به يوم القيامة ويتغافرون مِن التِّباعات الَّتي كانت بينَهم في الدُّنيا، وقد يجوز أن تُستعمل تلك الرَّحمة المخلوقة فيهم فيرحمُهم بها سوى رحمتِه(1) الَّتي وسعت كلَّ شيء، الَّتي لا يجوز أن تكون مخلوقة، وهي صفة مِن صفات ذاتِه ╡ لم يزل موصوفًا بها، فهي الَّتي يرحمُهم بها زائدًا على الرَّحمة الَّتي خلقَها(2) لهم، وقد يجوز أن تكون الرَّحمة الَّتي أمسكَها عند نفسِه هي الَّتي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض لأنَّ استغفارهم لهم دليل على أنَّ في نفوس الملائكة رحمة على أهل الأرض، والله أعلم.


[1] صورتها في (ص): ((برحمته)).
[2] في (ص): ((جعلها)).