شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم}

          ░43▒ بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ}(1)[الحجرات:11]. /
          فيه: عَبْدُ اللهِ بنُ زَمْعَةَ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأنْفُسِ، وَقَالَ: لِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا). [خ¦6042]
          وفيه(2) ابنُ عُمَر قال(3): قال النَّبيُّ صلعم بِمِنًى: (إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا). [خ¦6043]
          قال المؤلِّف: قال أهل التَّفسير في قولِه تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ}[الحجرات:11]لا يطعن بعضكم على بعض، وقال: لا يستهزئ قوم بقوم {عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ}[الحجرات:11]عند الله ╡، ومِن هذا المعنى نهيُه صلعم أن يُضحك مما يخرج مِن الأنفس.
          قال المؤلِّف(4): الأحداث النَّاقضة للوضوء؛ لأن الله تعالى سوَّى بين خلقِه(5) الأنبياءَ وغيرهم في ذلك فقال ╡ في مريم وعيسى ♂: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ}[المائدة:75]كناية عن الغائط، ومِن المحال أن يضحك أحد مِن غيرِه أو يعيِّرَه بما يأتي هو مثلَه ولا ينفكُّ منه.
          وقد حرَّم الله تعالى عِرض المؤمن كما حرَّم دمَه ومالَه فلا يحل الهزء ولا السخرية(6) بأحد، وأصل هذا إعجاب المرء بنفسِه وازدراء غيرِه، وكان يُقال: مِن العجب أن ترى لنفسك الفضل على النَّاس وتمقتَهم ولا تمقت نفسك.
          وقد روى ثابت عن أنس أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذنِبُونَ لَخَشِيتُ عَلَيكُم مَا هُو أَكْبرُ(7) مِن ذلكَ: العُجْبَ العُجْبَ)) وقال مُطَرِّف: لَأَنْ أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحبُّ إليَّ مِن أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا. وقال خالد الرَّبَعي: في الإنجيل مكتوب: المستكبر على أخيه بالدِّين بمنزلة القاتل.


[1] زاد في (ت) و(ص): ((الآية)).
[2] في (ت) و(ص): ((وقال)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (ت) و(ص).
[4] قوله: ((قال المؤلِّف)) ليس في (ت) و(ص).
[5] في (ز): ((مِن خلقه)) والمثبت من (ت) و (ص)، في المطبوع: ((بين خلقة)).
[6] في (ت) و(ص): ((الهزء والسخر)).
[7] في (ص): ((أكثر)).