شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه}

          ░1▒ وَقَولِ اللهِ ╡: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}[العنكبوت:8].
          فيه عَبْدُ الله: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلعم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ على وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: حدثني بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي). [خ¦5970]
          قال المؤلِّف: ذكر أهل التفسير أنَّ هذه الآية التي في سورة لقمان نزلت في سعد بن أبي وقَّاصٍ، قالت أمُّه حين هاجر: لا يظلُّني بيتٌ حتَّى ترجع فنزلت: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ(1) بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}[العنكبوت:8]فأمره(2) ╡ أن يحسن إليهما ولا يطيعهما في الشرك، وقيل: نزلت في عيَّاش بن أبي ربيعة.
          فأخبر النبيُّ صلعم أنَّ برَّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام، ورتَّب ذلك بثمَّ التي تقتضي(3) الترتيب، وتدلُّ على أنَّ الثاني بعد الأوَّل وبينهما مهلةٌ، وقد دلَّ التنزيل / على ذلك قال الله تعالى(4): {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا}[الإسراء:23]يعني ما يبولان ويحدثان {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ}[الإسراء:23]قال مجاهدٌ: والمعنى لا تستقذرهما كما لم يكونا يستقذرانك، وقال عطاءٌ: لا تَنْفض يديك(5) عليهما {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي لا تغلظ لهما في القول(6) {وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء:23]أي سهلًا ليِّنًا، عن قتادة وغيره.
          وقال ابن السيِّب: قول العبد الذليل للسيِّد الفظ الغليظ. {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}[الإسراء:24]أي كن بمنزلة الذليل المقهور إكرامًا لهما، وجعل ╡ شكر الأبوين بعد شكره فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}[لقمان:14]وقال أبو هريرة: لا تمش أمام أبيك، ولا تقعد قبله، ولا تدعه باسمه.
          وقيل: تمشي في الظلمة بين يديه، وقال مالكٌ: من لم يدرك أبويه أو أحدهما، فلا باس أن يقول: ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا.


[1] في نسخنا: ((على أن تشرك)) والمثبت من التنزيل والمطبوع.
[2] في (ت): ((وأمره)).
[3] في (ز) و(ت): ((تعطي)) والمثبت من (ص).
[4] في (ت) و (ص): ((قال تعالى)).
[5] في (ت) و (ص): ((ولا تنغض بذلك)).
[6] قوله: ((في القول)) ليس في (ت) و (ص).