شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال

          ░89▒ بابُ إِكْرَامِ الكَبِيرِ وَيَبْدَأُ الأَكْبَرُ بِالكَلَامِ وَالسُّؤَالِ(1).
          فيه: رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أبي حَثْمَةَ أَنَّهمَا حَدَّثَاهُ، أَوْ حَدَّثَا: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا في النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْن سَهْلٍ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَتَكَلَّما(2) فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ(3) النَّبيُّ صلعم: كَبِّرِ الْكُبْرَ، قَالَ يَحْيَى: يعني لِيَلِيَ الْكَلامَ الأكْبَرُ...) الحديثَ. [خ¦6142] [خ¦6143]
          وفيه: ابن عُمَر أَنّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (أَخْبِرُونِي شَجَرَةً مَثَلُهَا كمَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلا تَـُحُـَتُّ وَرَقَـُهَا، فَوَقَعَ في نَفْسِي أنها النَّخْلَةُ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ...) الحديث. [خ¦6144]
          قال المؤلِّف: إكرام الكبير وتقديمُه في الكلام وجميع الأمور مِن آداب(4) الإسلام ومعالي الأخلاق، وذكر عبد الرازق أنَّ في الحديث مِن تعظيم جلال الله أن يوقَّر ذو الشَّبية في الإسلام، ولهذا المعنى قال صلعم: (كَبِّرِ الكُبْرَ) فأمر أن يبدأ الأكبر بالكلام، فكان ذلك سنَّة إلَّا أنَّه دلَّ حديث ابن عمر أنَّ معنى ذلك ليس على العموم، وأنَّه إنَّما ينبغي أن يبدأ بالأكبر فيما يستوي فيه علم الكبير والصَّغير(5)، فأمَّا إذا علم الصَّغيرُ ما يجهل الكبيرُ فإنَّه ينبغي لمَن كان عنده علم أن يذكرَه وينزع(6) به وإن كان صغيرًا، ولا يعدُّ ذلك منه سوء أدب ولا تنقُّصًا لحقِّ الكبير في التقدُّم عليه لأنَّ النَّبي صلعم حين سأل أصحابَه عن الشَّجرة الَّتي شبَّهها بالمؤمن وفيهم ابن عمر وغيرُه ممَّن كان دونَه في السنِّ لم يُوْقِفِ الجواب على الكبار منهم خاصَّة، وإنَّما سأل جماعتَهم ليجيب كلٌّ بما علم، وعلى ذلك دلَّ قول عمر ☺ لابنِه(7): لو كنت قلتَها كان أحب إليَّ مِن كذا وكذا، لأنَّ عمر ☺ لا يحب ما يخالف أدب الإسلام وسننَه، وقد كان ☺ يسأل ابن عبَّاس وهو صبيٌّ مع المشيخة وكان ذلك معدودًا مِن فضائلِه، وقد تقدَّم هذا المعنى في باب الحياء في العلم(8) في آخر كتاب العلم.


[1] في (ص): ((الأكبر بالسؤال)).
[2] في (ص): ((فتكلموا)).
[3] قوله: ((له)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((أدب)).
[5] في (ص): ((الصغير والكبير)).
[6] صورتها في (ز): ((ويتبرع)) والمثبت من (ص).
[7] في (ص): ((أنه)).
[8] قوله: ((هذا المعنى في باب الحياء في العلم)) ليس في (ص).