شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب

          ░48▒ بابُ مَا يَجُوزُ مِن اغتِيَابِ أهلِ الفَسَادِ والرِّيَبِ.
          فيه(1): عَائِشَةُ: (اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ على النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، أَوِ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ أَلانَ لَهُ الْكَلامَ(2)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ الَّذي قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلامَ! قَالَ: أي عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاس مَنْ تَرَكَهُ النَّاس _أَوْ وَدَعَهُ النَّاس_ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ). [خ¦6054]
          قال المؤلِّف: هذا الحديث أصل في جواز اغتياب أهل الفساد، ألا ترى قولَه صلعم للرجل: (بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ)؟ وإنَّما قال ذلك صلعم لِمَا قد صحَّ عنده مِن شرِّه؛ لقولِه صلعم في آخر الحديث: (إِنَّ شَرَّ النَّاس مَنْ تَرَكَهُ(3) النَّاس اِتِّقَاءَ فُحْشِهِ) وسيأتي معنى إِلَانَةِ(4) النَّبيِّ صلعم له الكلام في باب لم يكن النَّبيُّ صلعم فاحشًا ولا متفحِّشًا.
          وروى(5) ابن وضَّاح عن محمَّد بن المصفَّى حدَّثنا بقيَّة بن الوليد عن الرَّبيع بن يزيد عن أَبَان عن أنس عن النَّبيِّ صلعم قال: ((مَنْ خَلَعَ جِلْبَابَ الحَيَاءِ فَلَا غِيْبَةَ فِيْهِ)) وفسَّره ابن سَعْدان قال: معناه مَن عمل عملًا قبيحًا كشفه للنَّاظرين، ولم يَرْعَ وقوفَهم عليه فلا بأس بذكرِه عنه مِن حيث لا يسمع لأنه كمَن أَذِن في ذلك لكشفِه عن نفسِه، فأمَّا مَن استتر بفعلِه فلا يحل ذكرُه لمن رآه لأنه غير آذنٍ في ذكرِه وإن كان كافرًا.
          وقد سُئل ابن وهب عن غيبة النَّصراني، فقال: لا؛ لقوله تعالى(6) {وَقُوْلُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وهو مِن النَّاس {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات:12]فجعل هذا لهم مثلًا، وفي الحديث: ((اذْكُرُوا الفَاسِقَ بِمَا فِيْهِ كَيْ يَحْذَرُهُ النَّاسُ)).
          قال ابن أبي زيد: يقال: لا غيبة في أمير جائر ولا في(7) صاحب بدعة يدعو إليها، ولا فيمَن يشاور في إنكاح أو شهادة أو نحو(8) ذلك، وقد قال النَّبيُّ(9) صلعم لفاطمة بنت قيس حين شاورتْه فيمَن خطبَها(10): ((إِنَّ مُعَاوِيَةَ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ)) وكذلك رأت(11) الأئمة أنَّ مَن يُقبلُ قولُه مِن أهل الفضل يجوز لَهُ أن يُبَيِّنَ(12) أمرَ مَن يُخَاف أن يُتَّخذ إمامًا فيَذْكُرُ ما فيه مِن كذب أو غيرِه ممَّا(13) يوجب ترك الرِّاوية عنه، وكان شعبة يقول: اجلس بنا نغتاب في الله.


[1] في (ت) و(ص): ((وفيه)).
[2] في (ت) و(ص): ((القول)).
[3] في (ت) و(ص): ((اتقاه)).
[4] قوله: ((إلانة)) ليس في (ت) وقوله: ((معنى)) ليس في (ص).
[5] في (ت) و(ص): ((روى)).
[6] قوله: ((لقوله تعالى)) ليس في (ت) و(ص).
[7] قوله: ((في)) ليس في (ت) و(ص).
[8] في (ص): ((ونحو)).
[9] في (ت) و(ص): ((الرَّسول)).
[10] زاد في (ص): ((إلى معاوية)).
[11] في (ت) و (ص): ((رأى)).
[12] زاد في (ت) و(ص): ((له)).
[13] في (ص): ((أو غيبة فيما)).