شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يجاهد إلا بإذن الأبوين

          ░3▒ بَابُ لاَ يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ
          فيه عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلعم: أُجَاهِدُ؟ قَالَ: ألَكَ أَبَوَانِ(1)؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ). [خ¦5972]
          قال المؤلِّف: هذا موافقٌ لحديث ابن مسعودٍ أنَّ برَّ الأبوين أفضل من الجهاد؛ لأنَّه رتَّب ذلك ◙(2) بثمَّ التي(3) تدلُّ على الرتبة، وهذا إنَّما يكون في وقت قوَّة الإسلام(4) وغلبة أهله للعدوِّ(5)، وإذا كان الجهاد من فروض الكفاية، فأمَّا إذا قوي أهل الشرك وضعف المسلمون، فالجهاد متعيِّنٌ على كلِّ نفسٍ، ولا يجوز التخلُّف عنه وإن منع منه الأبوان.
          وقال ابن المنذر: في هذا الحديث أنَّ النهي عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع، وذلك بيِّنٌ في حديث أبي قتادة: ((أنَّ / رسول الله صلعم بعث جيش الأمراء، فذكر قصَّة(6) زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالبٍ وابن رواحة أنَّ منادي رسول الله صلعم نادى بعد ذلك: إنَّ الصلاة جامعةٌ، فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: أيُّها الناس اخرجوا فأمِّدوا إخوانكم ولا يتخلفنَّ أحدٌ، فخرج الناس مشاةً وركابًا في حرٍّ شديدٍ))، فدلَّ قوله: ((اخرجوا فأمِّدوا إخوانكم))؛ أنَّ العذر في التخلُّف عن الجهاد إنَّما هو ما لم يقع النفير(7) مع قوله صلعم: ((إذا(8) استنفرتم فانفروا)).
          واختلفوا في الوالدين المشركين، هل يخرج بإذنهما إذا كان الجهاد من فروض الكفاية؟
          وكان الثوريُّ يقول: لا يغزو إلَّا بإذنهما، وقال الشافعيُّ: له أن يغزو بغير إذنهما(9).
          وقال(10) ابن المنذر: والأجداد آباء، والجدَّات أمَّهات، فلا يغزو المرء إلَّا بإذنهم، ولا أعلم دلالةً توجب ذلك لغيرهم من الإخوة وسائر القرابات، وكان طاوسٌ يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله.


[1] في (ت) و (ص): ((لك أبوين)).
[2] قوله: ((السلام)) ليس في (ت) و (ص).
[3] في (ز): ((الذي)) والمثبت من (ص) و(ت).
[4] في (ت): ((يكون أهله في وقت الإسلام))، و في (ص): ((في وقت الإسلام)).
[5] في (ت): ((وغلبه للعدو)).
[6] في (ص): ((وصية)).
[7] في (ص): ((النفر)).
[8] في (ت) و (ص): ((وإذا)).
[9] قوله: ((وقال الشافعي: له أن يغزو بغير إذنهما)) ليس في (ص).
[10] في (ت) و (ص): ((قال)).