شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرفق في الأمر كله

          ░35▒ بابُ الرِّفْقِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ.
          فيه: عَائِشَةُ ♦ قَالَتْ: (دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ على رَسُولِ اللهِ صلعم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا َقُلْتُ: السَّامُ عليكم(1) وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ(2) اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ). [خ¦6024]
          وفيه(3): أَنَس: (أَنَّ أَعْرَابِيًَّا بَالَ في الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: لا تُزْرِمُوهُ، ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ). [خ¦6025]
          في هذين(4) الحديثين أدب عظيم مِن أدب الإسلام، وحضٌّ على الرِّفق بالجاهل والصَّفح والإغضاء عنه لأنَّ النَّبيَّ(5) صلعم ترك مقابلة اليهود بمثل قولِهم، ونهى عائشة ♦ عن(6) الإغلاظ في ردِّها(7)، وقال: / (مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ) لعموم قولِه: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ) وإن كان الانتصار بمثل ما قُوبل به المرء جائز لقولِه ╡: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ}[الشورى:41]فالصبر أعظم أجرًا وأعلى درجة لقوله ╡(8): {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[الشورى:43].
          والصَّبر أخلاق النَّبيِّين والصَّالحين، فيجب امتثال طريقتِهم والتأسِّي بهم وقرع النفس عن المغالبة رجاء ثواب الله تعالى على ذلك، وكذلك(9) رفق النَّبيِّ صلعم بالأعرابي الجاهل حين بال في المسجد المعظَّم الَّذي الصَّلاة فيه أفضل مِن ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وأمر أن لا يُهاج حتَّى يفرغ مِن بولِه تأنيسًا له ورفقًا به، فدلَّ ذلك على استعمال الرِّفق بالجاهل فأنه بخلاف العالِم في ترك(10) اللَّوم له(11) والتَّثريب عليه.
          وقال أبو عُبيد: قال الأصمعي: الإزرام القطع، يقال للرجل إذا قطع بولَه: قد أزرمت بولك، وأزرمَه غيرُه: قطعه، وزَرِم البول نفسُه: إذا انقطع، قال الشَّاعر:
أو كماء المَثْمود بعد جِمامٍ                     زَرِمَ الدَّمعُ لا يَؤوبُ نَزُورا
          المثمود(12): الَّذي قد ثَمَدَهُ النَّاس أي: ذهبوا به فلم(13) يبقَ مِنه إلا قليل، والجِمام الكثير.
          وقال(14) صاحب «العين»: زَرِمَ البول والدمع: انقطع، وزَرِمَ السِّنَّور والكلب زَرْمًا إذا بقي جَعْرُه في دبرِه فهو أَزْرَم.


[1] في (ت): ((عليكم السام)).
[2] في (ت) و(ص): ((فإن)).
[3] في (ت) و(ص): ((فيه)).
[4] في (ز): ((هذا)) والمثبت من (ت) و (ص).
[5] في (ت) و(ص): ((الرَّسول)).
[6] في (ت): ((من)).
[7] في (ص): ((قولها)).
[8] قوله: ((لقوله ╡)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((وكذلك)) ليس في (ت) و(ص).
[10] في (ص): ((العالم وترك)).
[11] قوله: ((له)) ليس في (ص).
[12] في (ت) و(ص): ((والمثمود)).
[13] في (ت) و(ص): ((ذهبوا فيه فلا)).
[14] في (ص): ((قال)).