شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: يبل الرحم ببلالها

          ░14▒ باب: تُبَلُّ الرَّحِمُ بِبَلَالِها.
          فيه: عَمْرُو بنُ الْعَاصِ: (سَمِعْتُ النَّبي صلعم جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ، يَقُولُ: إِنَّ آلَ أبي لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إنَّما وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاهَا). [خ¦5990]
          قال المهلَّب: قولُهُ(1): (إنَّ آلَ أَبِي لَيْسُوْا بِأَوْلِيَائِي _يعني ليسوا بأوليائي(2)_ إنَّما وليِّيَ الله وصالح المؤمنين) فأوجب صلعم الولاية بالدِّين ونفاها عن أهل رحمِهِ، إذ لم يكونوا مِن أهل دينِهِ، فدلَّ بذلك(3) أنَّ النَّسب محتاج إلى الولاية الَّتي بها تقع الموراثة(4) بين المتناسبين والأقارب، فإن لم يكن لهم دين يجمعُهم لم تكن ولاية ولا موارثة، ودلَّ هذا أنَّ الرَّحم الَّتي تضمَّن الله تعالى أن يصل مَن وصلَها ويقطع مَن قطعَها، إنَّما ذلك إذا كان في الله وفيما شرع وأمَّا مَن قطعَها في الله وفيما شرع(5) فقد وصل اللهَ والشريعةَ واستحقَّ صلة الله تعالى بقطعِهِ(6) مَن قطع الله.
          قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ}[الممتحنة:1]وقولُهُ تعالى(7): {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ على الإِيمَانِ}[التوبة:23]وقال تعالى: {وَالَّذينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتَّى يُهَاجِرُواْ}[الأنفال:72]فكيف بمَن لم يؤمن؟.
          وقولُهُ: (وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّها بِبَلَالِها) يعني أصلُها بمعروفِها، والبلُّ هو التَّرطيب والتَّندية(8) بالمعروف، وشبَّه صلعم صلة الرَّحم بالمعروف(9) بالشَّيء اليابس يندى فيرطب، وذلك أنَّ العرب تصف الرجل إذا وصفتْهُ باللؤم بجمود الكفِّ فتقول: ما تندى كفُّه بخير وإنَّه لحجر صَلْد، يعني أنه لا يُرجى نائلُه، ولا يُطمع في معروفِه كما لا يُرجى مِن الحجر الصَلْد ما يُشرب، فإذا وصل الرجل رحمَهُ بمعروفِهِ قالوا: بلِّ رحمه بلًّا وبَلالًا قال الأعشى:
وَوِصَالُ رَحْمٍ قَدْ نَضَحْتَ بِلَالَها.
          وإنَّما ذلك تشبيه مِن النَّبي صلعم صلة الرَّجل رحمَهُ بالنَّار يُصَبُّ عليها الماء(10) فتُطْفَأ.
          قال المهلَّب: فقولُهُ صلعم: (وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا) هو الَّذي أمرَهُ الله تعالى به في كتابِهِ فقال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنيا مَعْرُوفًا}[لقمان:15]فلما عصوه وعاندوه دعا(11) عليهم فقال: ((اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوْسُفَ)) فلما مسَّهم الجوع أرسلوا إليه قالوا: يا محمَّد، إنَّك بُعثت بصلة الرَّحم وإنَّ أهلك قد جاعوا فادع الله لهم، فدعا لهم بعد أن كان دعا عليهم فوصل(12) رحمه فيهم بالدعاء لهم، وذلك مما لا يقدح في دين الله تعالى، ألا ترى صنعه ◙ فيهم إذ غلب عليهم يوم الفتح لمَّا أطلقهم(13) مِن الرقِّ الَّذي كان توجَّه إليهم فسُمُّوا بذلك الطُّلقاء، ولم ينتهك حريمهم ولا استباح أموالهم ومَنَّ عليهم، وهذا كلُّه مِن البِلال.


[1] قوله: ((قوله)) ليس في المطبوع.
[2] قوله: ((يعني ليسوا بأوليائي)) ليس في المطبوع.
[3] في (ت) و(ص): ((ذلك)).
[4] في (ص): ((الوراثة)).
[5] قوله: ((وأمَّا من قطعها في الله وفيما شرع)) ليس في (ت).
[6] في (ص): ((بقطع)).
[7] قوله: (({يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ}))وقوله تعالى ليس في (ص).
[8] في (ص): ((والتغذية)).
[9] قوله: ((بالمعروف)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((بالماء)).
[11] في (ز): ((ودعا)) والمثبت من (ت) و (ص).
[12] في المطبوع: ((فوصله)).
[13] قوله: ((لما أطلقهم)) ليس في (ص) ولا المطبوع.