شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: حسن العهد من الإيمان

          ░23▒ بابٌ حُسْنُ العَهْدِ مِنَ الإِيْمَانِ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: مَا غِرْتُ على امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ على خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاثِ سِنِينَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي في خُلَّتِهَا مِنْهَا. [خ¦6004]
          قال المؤلِّف: حسن العهد في هذا الحديث هو إهداء النَّبيِّ صلعم اللَّحم لأجوار خديجة ومعارفِها رعيًا مِنه لذمامِها وحفظًا لعهدِها(1)، كذلك قال أبو عُبيد: العهد في هذا الحديث الحفاظ ورعاية الحرمة والحق، فجعل ذلك البخاري مِن الإيمان لأنه فعل برٍّ وجميع أفعال البرِّ مِن الإيمان(2).
          وقولُها: (وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ) فالقصب قصب اللؤلؤ، وهو ما استطال مِنه في تجويف، وكلُّ مجوف قصب.
          وقولُها: (بِبَيْتٍ) أي بقصر، يقال هذا بيت فلان أي قصرُه، قاله أبو سليمان الخطَّابي.
          وقد رُوي أنَّ خديجة قالت لرسول الله حين بشَّرها بذلك: مَا بيتٌ مِن قَصَبٍ؟ قال: ((بَيْتٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مجبأة)) وفسَّره ابن وهب قال يريد: مجوَّبة(3).
          قال أبو سليمان: وهذا لا يستقيم على ما قاله ابن وهب إلا أن يكون من المقلوب فتكون مجوبة من الجوبة(4) وهو القطع؛ قُدِّم الباء على الواو كقوله تعالى: {هَارٍ}[التوبة:109]والأصل هائر، وكقول الشاعر:
لَاثٍ بهِ الأَشَاءُ والعُبْرِي
          وإنَّما هو لائث.
          وقوله: (لَا وَصَبَ فِيْهِ وَلَا نَصَبَ) أي لا أذى فيه ولا عناء.


[1] في (ص): ((وحفظ العهد بها)).
[2] قوله: ((وجميع أفعال البرِّ من الإيمان)) ليس في (ت)، وقوله: ((وجميع أفعال البرِّ من الإيمان وقولها:)) ليس في (ص).
[3] في المطبوع: ((مجوفة)) وهو تصحيف.
[4] في المطبوع: ((الجوب)).