شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما ينهى من السباب واللعن

          ░44▒ بابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ.
          فيه: عَبْدُ اللهِ قال: قال النَّبيُّ صلعم: (سِبَابُ الْمُؤمن فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ). [خ¦6044]
          وفيه: أَبُو ذَرٍّ أنه سَمِعَ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ). [خ¦6045]
          وفيه: أَنَسٌ قَالَ: (لَمْ يَكُن النَّبيُّ صلعم فَاحِشًا وَلا لَعَّانًا وَلا سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ). [خ¦6046]
          وفيه: ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (مَنْ حَلَفَ على مِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ). [خ¦6047]
          وفيه: سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ: (اسْتَبَّ رَجُلًانِ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم، فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: إِنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذي يَجِدُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ(1) الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبي صلعم فقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ(2)، قَالَ(3): أَتُرَى بِي بَأْسًا؟ أَمَجْنُونٌ أنا؟ اذْهَبْ). [خ¦6048]
          وفيه(4): عُبَادَةُ قال: (خَرَجَ النَّبيُّ صلعم لِيُخْبِرَ النَّاس بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَا رَجُلًانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ النَّبيُّ(5) صلعم: خَرَجْتُ لأخْبِرَكُمْ بِهَا فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، وَأنها رُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا..) الحديث. [خ¦6049]
          وفيه: أَبُو ذَرٍّ قَالَ: (كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْه، فَذَكَرَنِي إلى النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: أَسَابَبْتَ فُلانًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ...) الحديث. [خ¦6050]
          قال المؤلِّف: سباب المسلم فسوق لأنَّ عِرضه حرام كتحريم دمِه ومالِه، والفسوق في لسان العرب الخروج عن(6) الطَّاعة، فينبغي للمؤمن أن لا يكون سبَّابًا ولا لعَّانًا للمؤمنين، ويقتدي في ذلك بالنَّبي صلعم لأنَّ السبَّ سبب للفرقة(7) والبغضة، وقد منَّ الله تعالى على المؤمنين بما جمعَهم عليه مِن ألفة الإسلام فقال تعالى: يا أيها الَّذين آمنوا{اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فأصبحتم بنعمته إخوانًا(8)}الآية[آل عِمْرَان:103]، وقال: {إنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10]فكما لا ينبغي سبُّ أخيه في النَّسب كذلك لا ينبغي سبُّ أخيه في الإسلام ولا ملاحاتِه، ألا ترى أنَّ الله ╡ رفع معرفة ليلة القدر عن عباده وحرَمَهم عِلمَها عقوبةً لتلاحي الرَّجلين بحضرة النَّبيِّ صلعم.
          وقال(9) صلعم لأبي ذر لما سبَّ الرجل الَّذي أمُّه(10) أعجميَّة: ((إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْكَ جَاهِلِيَّةٌ)) وهذا غاية في ذم السبِّ وتقبيحِه لأنَّ أمور الجاهليَّة / حرام منسوخة بالإسلام، فواجب(11) على كل مسلم هجرأنها واجتنباها، وكذلك الغضب هو مِن نزعات الشَّيطان فينبغي للمؤمن مغالبة نفسِه عليه والاستعاذة بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم فإنَّ ذلك دواء الغضب(12) لقولِه صلعم: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ)) يعني التعوُّذ بالله(13) مِن الشَّيطان.
          وأمَّا قولُه صلعم: (وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) فمعناه التَّحذير له عن مقاتلتِه ومشادَّته والتغليظ فيه يُراد أنَّه(14) كالكفر فلا يقاتله وهذا كما يُقال: الفقر الموت، أي كالموت، ونظير هذا قولُه صلعم: ((كَفَرَ بِاللهِ مَنِ اِنْتَفَى(15) مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ(16) وَادَّعَى نَسَبًا(17) لَا يُعْرَفُ)) ولم يرد أنَّ مَن انتفى مِن نسبِه أو ادَّعى غير نسبِه كان كافرًا خارجًا عن الإسلام، ومثلُه في الكلام كثير، وقد تقدَّم زيادة في هذا المعنى(18) في باب خوف(19) المؤمن أن يحبط عملُه وهو لا يشعر(20) في كتاب الإيمان وكذلك تقدَّم معنى قولِه صلعم: ((لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ)) في كتاب الأيمان والنذور. وسيأتي شيء مِنه في بقية كتاب الأدب في باب مَن كفَّر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، إن شاء الله تعالى(21)
          وقولُه صلعم: (تَرِبَ جَبِيْنُهُ) معناه أصابَه التُّراب ولم يرد الدُّعاء على ما فسَّره أبو عَمْرو الشَّيباني في قولِه صلعم: ((تَرِبَتْ يَمِيْنُكَ)) في هذا الجزء إن شاء الله تعالى(22).


[1] قوله: ((إليه)) ليس في (ت) و(ص).
[2] زاد في (ت) و(ص): ((الرجيم)).
[3] في (ص): ((فقال)).
[4] في (ت) و(ص): ((فيه)).
[5] قوله: ((النَّبي)) ليس في (ت) و(ص).
[6] في المطبوع: ((من)).
[7] في (ص): ((الفرقة)).
[8] قوله: ((فأصبحتم بنعمته إخواناً)) ليس في (ت) و(ص).
[9] في (ص): ((قال)).
[10] قوله: ((أمه)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((فوجب)).
[12] في (ت): ((للغضب)).
[13] قوله: ((بالله)) ليس في (ص).
[14] في (ز): ((بردائه)) وفي (ص): ((يرد له)) والمثبت من (ت)، في المطبوع: ((يراد به)).
[15] في (ص): ((كفر بالله انتفاء)).
[16] في (ص): ((نسب وأردف)).
[17] في (ص): ((نسب)).
[18] قوله: ((زيادة في هذا المعنى)) ليس في (ت) و(ص).
[19] صورتها في (ص): ((جور)).
[20] قوله: ((وهو لا يشعر)) ليس في (ت) و(ص).
[21] قوله: ((وكذلك تقدم معنى...إن شاء الله تعالى)) ليس في (ت) و(ص).
[22] قوله: ((في هذا الجزء إن شاء الله تعالى)) ليس في (ت) و(ص).