شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا تسبوا الدهر

          ░101▒ بابٌ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْر، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ). [خ¦6181]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ: الْكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ). [خ¦6182]
          قال الخطَّابي: كان أهل الجاهليَّة يضيفون المصائب والنَّوائب إلى الدَّهر الَّذي هو مرُّ اللَّيل والنَّهار، وهم في ذلك فريقان(1)، فرقة لا تؤمن بالله ولا تعرف إلا الدَّهرَ / اللَّيلَ والنَّهارَ اللَّذَين هما محلٌّ للحوادث وظرف لمساقط الأقدار، فنسبت المكاره إليه على أنَّها مِن فعله، ولا ترى أنَّ لها مدبِّرًا غيرَه، وهذه الفرقة هي الدَّهريَّة الَّذين(2) حكى الله تعالى عنهم في قولِه ╡(3): {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية:24].
          وفرقة ثانية: تعرف الخالق فتنزِّهُه أن تنسب إليه المكاره فتضيفَها إلى الدَّهر والزَّمان، وعلى هذين الوجهين كانوا يسبُّون الدَّهر ويذمُّونه(4)، فيقول القائل منهم: يا خيبة الدَّهر، ويا بؤس الدَّهر، فقال لهم النَّبيُّ صلعم مبطلًا ذلك مِن مذهبِهم: (لَا يَسُبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهُر) يريد والله أعلم: لا تسبوا الدَّهر على أنَّه الفاعل لهذا الصُّنع بكم، فإنَّ الله هو الفاعل له، فإذا سببتم الَّذي أنزل بكم المكاره رجع السبُّ إلى الله ╡ وانصرف إليه.
          ومعنى قولِه: (أَنَا الدَّهْرُ) أي: أنا ملك الدَّهر ومصرِّفُه فحُذِف اختصارًا للَّفظ واتِّساعًا في المعنى، وبيان هذا في حديث أبي هريرة حدَّثناه ابن الأعرابي، حدَّثنا محمَّد بن سعيد بن غالب، حدَّثنا ابن نُمَير حدَّثنا هشام بن سعد عن زيد بن أَسْلَمَ عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((يَقُولُ اللهُ ╡: أَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيلُ وَالنَّهَارُ أُجِدُّهُ وَأُبْلِيْهِ، وَأَذْهَبُ بِالمُلُوكِ وَآتِي بِهِمْ)).
          وروى(5) عبد الرزَّاق عن مَعْمر عن الزُّهري عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((يَقُولُ اللهُ ╡: يُؤْذِيْنِي ابنُ آدَمَ، يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنِّي(6) أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُهُ(7) لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهْمَا)).
          وقال ابن النحَّاس: يجوز فيه نصب الرَّاء مِن قولِه: (فَإِنَّ(8) اللهَ تَعَالَى هُوَ الدَّهُرُ) والمعنى فإنَّ الله مُقيم(9) الدَّهر أي مقيم أبدًا لا يزول(10).


[1] في (ص): ((فرقتان)).
[2] في (ص): ((الَّتي)).
[3] قوله: ((في قوله ╡)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((كانوا يذمون الدهر ويسبونه)).
[5] في (ص): ((روى)).
[6] في (ص): ((وإني)).
[7] في (ص): ((أقلب)).
[8] في (ص): ((إن)).
[9] في (ص): ((معمر)).
[10] في (ص): ((مقيم أبد الدهر)).