شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه

          ░108▒ بابُ تَحْوِيْلِ الاِسْمِ إِلى اسْمٍ أَحْسَنَ مِنْهُ.
          فيه: سَهْلٌ: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بنِ أبي أُسَيْدٍ إلى النَّبيِّ صلعم حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ على فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ، فَلَهَا النَّبيُّ صلعم بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبيِّ صلعم، فَاسْتَفَاقَ النَّبيُّ صلعم، فَقَالَ: ((أَيْنَ الصَّبِيُّ؟)) فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أقَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((مَا اسْمُهُ؟)) قَالَ: فُلانٌ، قَالَ: ((لَكِن اسْمِهِ الْمُنْذِرَ))، فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ المُنْذِرَ(1). [خ¦6191]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا النَّبيُّ(2) صلعم: زَيْنَبَ). [خ¦6192]
          وفيه: ابْن الْمُسَيَّب: (أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ على النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ فقَالَ(3): اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ:(4) بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أبي) الحديث(5). [خ¦6193]
          قال المؤلِّف: قد قدَّمنا قبل هذا أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يعجبُه تغيير الاسم القبيح بالاسم الحسن على وجه التَّفاؤل والتَّيمُّن لأنَّه كان يعجبُه(6) الفأل الحسن، وقد غيَّر رسول الله صلعم عدَّة(7) أسامي غيَّر برَّة بزينب وحوَّل اسم عبد الله(8) بن عَمْرو بن العاص إلى عبدِ الله كراهة لاسم العصيان الَّذي هو منافٍ لصفة المؤمن، وإنَّما شعار المؤمن الطَّاعة وسمتُه(9) العبودية.
          قال الطَّبري: فلا ينبغي لأحد أن يتسمَّى باسم قبيح المعنى، ولا باسم معناه التَّزكية والمدح، ولا باسم معناه الذَّمُّ والسَّبُّ، بل الَّذي ينبغي(10) أن يُسمَّى به ما كان حقًّا وصدقًا، كما أمر الَّذي سمَّى ابنَه القاسم أن يسمِّيه عبد الرحمن، إذ كان الصِّدق الَّذي لا شكَّ فيه أنَّه عبد الرَّحمن فسمَّاه به لحقيقة(11) معناه، وإن كانت الأسماء العواري لم توضع على المسمَّيات لصفاتِها بل للدِّلالة على أشخاصِها خشية أن يسمع سامع باسم العاصي(12) فيظنَّ أنَّ ذلك له صفة، وأنَّه إنَّما سُمِّي بذلك لمعصية ربِّه، فحوَّل ذلك صلعم إلى ما إذا دعي به كان صدقًا.
          وأمَّا تحويلُه برَّة إلى زينب فلأنَّ ذلك كان تزكية ومدحًا فحوَّله إلى ما لا تزكية فيه ولا ذم، وعلى هذا النَّحو سائر الأسماء الَّتي غيَّرها رسول الله صلعم، فأولى الأسماء أن يتسمَّى بها أقربها إلى الصِّدق وأحراها أن لا يشكل على سامِعها لأنَّ الأسماء إنَّما هي للدِّلالة والتَّعريف، وبنحو هذا(13) وردت الآثار عن النَّبيِّ صلعم.
          روى أبو داود في «مصنَّفه» حدَّثنا عن أبي وَهْب الخُشَنِي، وكانت له صحبة، عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ: عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ)) وروى عطاء عن أبي سعيد الخدري قال: قال النَّبيُّ صلعم: ((لَا تُسَمُّوا أَبْنَاءَكُمْ حَكَمًا وَلَا أَبَا الحَكَمِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الحَكِيْمُ العَلِيْمُ)).
          قال الطَّبري: وليس تغيير رسول الله صلعم ما غيَّر مِن الأسماء على وجه المنع للتَّسمِّي بها بل ذلك على وجه الاختيار لأنَّ الأسماء لم يسمَّ بها لوجود معانيها في المسمَّى بها، وإنَّما هي للتَّمييز، ولذلك أباح المسلمون أن يتسمَّى الرَّجل القبيح بحسن، والرجل الفاسد بصالح، يدلُّ على ذلك قول جدِّ ابن المسيَّب للنَّبيِّ صلعم حين قال له أنت سهل: ما كنت أغيِّر اسمًا سمَّانيه أبي، فلم يُلزِمْه الانتقال عنه على كلِّ حال، ولا جعلَه بثباتِه عليه آثمًا بربِّه، ولو كان آثمًا في ذلك(14) لجبرَه على النقلة عنه، إذ غير جائز في صفتِه ◙ أن يرى منكرًا وله إلى تغييرِه سبيل.


[1] قوله: ((فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ: الْمُنْذِرَ)) زيادة من (ص).
[2] في (ص): ((رسول الله)).
[3] في (ص): ((قال)).
[4] زاد في (ص): ((لا)).
[5] قوله: ((الحديث)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((تغيير الاسم القبيح... كان يعجبه)) ليس في (ص).
[7] قوله: ((عدة)) ليس في (ص).
[8] كذا في (ز) و(ص) والمطبوع.
[9] في (ص): ((وصفته)).
[10] قوله: ((يتسمى باسم قبيح... والسب بل الَّذي ينبغي)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((فسماه بحقيقة)).
[12] في (ص): ((العاص)).
[13] في (ص): ((والتعريف وبهذا)).
[14] في (ص): ((بذلك)).