شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: من وصل وصله الله

          ░13▒ باب: مَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبي صلعم قَالَ: (إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَة، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[محمد:22]). [خ¦5987]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبي صلعم: (الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، قَالَ اللهُ تعالى: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ). [خ¦5988]
          وفيه: عَائِشَةُ عَن النَّبي صلعم مثلَهُ. [خ¦5989]
          قال الطَّبري: معنى وَصْلِ الله تعالى عبده إذا وصل رحمَهُ فهو تعطفُّهُ عليه بفضله، إما في عاجل دنياه أو آجل آخرتِهِ، والعرب تقول إذا تفضَّل رجل على آخر بمال أو وهبَهُ هبةً: وصل فلان فلانًا بكذا وتُسَمَّى العطيَّةُ صلة فتقول: وصلت إلى فلان صلة فلان، وكذلك قوله تعالى في الرَّحم: ((مَنْ وَصَلَهَا...)) يعني وصلتُهُ بفضلي ونِعَمي، وصلة العبد ربَّه فتعطُّفه على ذوي أرحامِهِ مِن قِبَل أبيه وأمِّه بنوافل فضلِهِ.
          فإن قال: أَفَما(1) يكون المرء مواصلًا(2) رحمه إلا بتعطُّفه عليهم بفضل مالِهِ؟.
          قيل: للبرِّ(3) بالأرحام مراتب ومنازل، وليس ممن(4) يبلغ أعلى تلك المراتب يستحقُّ اسم قاطع، كما مَن لم يبلغ أعلى منازل الفضل يستحق اسم الذَّم، فواصل رحمَهُ بمالِهِ مستحق اسم واصل، وواصلُها بمعونتِهِ ونصرتِهِ مستحق اسم واصل، وقد بيَّن ذلك قوله ◙(5): ((بُلُّوْا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ)) فأعلم ◙ أمتَهُ أنَّ المتعاهد لرحمِهِ بالسَّلام خارج من(6) معنى القاطع وداخل في معنى الواصل، فواصلُها بما هو أعلى وأكثر أحقُّ أن يكون خارجًا من معنى القاطع.
          وقولُهُ: (الرَّحِمُ شَـُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) قال أبو عُبيد: يعني قرابة مشتبكة بعضُها(7) ببعض.
          وقال(8) غيرُه: يقال: هذا شجر / متشجِّن إذا التفَّ بعضُه ببعض.
          قال أبو عُبيد: وفيه لغتان: شِجْنَةٌ وشُجْنَةٌ بكسر الشِّين وضمِّها.
          وقال الطَّبري: الشِّجْنَةُ الفِعْلَةُ من قولهم شجن فلان على فلان إذا حزن عليه فشجن عليه شجنًا، والمعنى أن الرَّحم حزينة مستعيذة بالله تعالى من القطيعة.


[1] في (ز): ((إنَّما)) والمثبت من (ت) و (ص).
[2] في (ت) و(ص): ((واصلاً)).
[3] في (ت): ((البر)) وفي (ص): ((المبر)).
[4] في المطبوع: ((من)) ونبَّه أنه في النسخ كالمثبت لكن أثبت ما يقتضيه السياق.
[5] زاد في (ت) و(ص): ((في حديث أنس)).
[6] في المطبوع: ((عن)).
[7] في (ص): ((بعضه)).
[8] في (ص): ((قال)).