شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه

          ░53▒ بابُ مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يُقَالُ فيه.
          فيه: ابْن مَسْعُود: (قَسَمَ النَّبيُّ صلعم قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: وَاللهِ مَا أَرَادَ محمَّد بِهَذَا وَجْهَ اللهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، فقَالَ: رَحِمَ اللهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ). [خ¦6059]
          قال المؤلِّف: في هذا الحديث مِن الفقه أنَّه يجوز للرَّجل أن يخبر أهل الفضل والسَّتر مِن إخوانِه بما يقال فيهم ممَّا لا يليق بهم(1) ليعرِّفهم بذلك مَن يؤذيهم(2) مِن النَّاس وينتقصهم، ولا حرج عليه في مقابلتِه بذلك وتبليغِه له. وليس ذلك مِن باب النَّميمة لأنَّ ابن مسعود حين أخبر النَّبيَّ صلعم بقول الأنصاري فيه وتجويرِه له في القسمة لم يقل صلعم له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري(3) والنَّميمة حرام، بل رضي ذلك ◙ وجاوبَه عليه بقوله: ((يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوْذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)) وإنَّما جاز لابن مسعود نقل ذلك إلى النَّبي صلعم لأنَّ الأنصاري في تجويرِه للنَّبيِّ صلعم استباح إثمًا عظيمًا وركب جُرمًا جسيمًا، فلم يكن لحديثِه حرمة، ولم يكن نقلُه مِن باب النميمة.
          وقد قال مالك ☼ في الرَّجل يمر بالرَّجل يقذف غائبًا: فليُشهِد عليه إن كان معه غيرُه، وقال في قوم سمعوا رجلًا يقذف رجلًا فرفعوه إلى الإمام: فلا ينبغي له(4) أن يحدَّه حتَّى يجيء الطَّالب، ولو كان هذا نميمة لم تجز الشَّهادة لأنَّ النَّميمة كبيرة، والكبائر تسقط الشَّهادات.
          وفي تمعرِّ وجه النَّبي صلعم حين أُخبِر بقول الأنصاري مِن الفقه أنَّ أهل الفضل والخير قد يعزُّ عليهم ما يُقال فيهم مِن الباطل، ويكبر عليهم، فإنَّ ذلك جِبِلَّة في البشر فطرهم الله تعالى عليها، إلا أنَّ أهل الفضل يتلقَّون(5) ذلك بالصَّبر الجميل(6) اقتداء بمَن تقدَّمهم مِن المؤمنين، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ(7) صلعم قد اقتدى في ذلك بصبر موسى ◙.
          وقد رُوي عن الحسن البصري أنه قيل له: فلان اغتابك، فبعث إليه طبقًا مِن الطَّرَف(8) وقال(9): بلغني أنَّك أهديت إليَّ حسناتك فأردت أن أكافئك عليها(10).


[1] في (ت): ((ثم)).
[2] في (ز): ((يؤذيه)) والمثبت من (ت) و (ص).
[3] في (ت) و(ص): ((بالأنصاري)).
[4] قوله: ((له)) ليس في (ت) و(ص).
[5] صورتها في (ص): ((يبلغون)).
[6] قوله: ((الجميل)) ليس في (ت) و(ص).
[7] في (ت) و(ص): ((الرَّسول)).
[8] في (ت) و(ص): ((رطب)).
[9] زاد في (ت): ((له)).
[10] في (ت) و(ص): ((بها)).