شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما قيل في ذي الوجهين

          ░52▒ بابُ مَا قِيْلَ فِي ذِي الوَجْهَينِ. /
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قال النَّبيُّ صلعم: (تَجِدُ مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ(1) الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ). [خ¦6058]
          يريد أنه يأتي إلى كلِّ قوم بما يرضيهم كان خيرًا أو شرًّا، وهذه هي المداهنة المحرَّمة، وإنَّما سُمي ذو الوجهين مداهنًا لأنه يُظهِر لأهل المنكر أنه عنهم راض فيلقاهم بوجه سمح بالتَّرحيب والبشر، وكذلك يُظهِر لأهل الحقِّ أنه عنهم راضٍ(2) وفي باطنِه أنَّ هذا دأبُه في أن يُرضِي كلَّ فريق منهم ويُريهم أنه منهم، وإن كان في(3) مصاحبته لأهل الحق مريدًا(4) لفعلِهم، وفي صحبته لأهل الباطل منكرًا لفعلهم، فبخلطتِه لكلا الطائفتين(5) وإظهارِه الرِّضا بفعلِهم استحقَّ اسم المداهنة للأسباب الظَّاهرة عليه المشبَّهة بالدِّهان الَّذي يظهر على ظواهر الأشياء ويستر بواطنَها، ولو كان مع إحدى الطَّائفتين لم يكن مداهنًا، وإنَّما كان يُسمَّى باسم الطائفة المنفرد بصحبتِها.
          وقد جاء في ذي الوجهين وعيد شديد، روى أبو هريرة عن النَّبيِّ صلعم أنه قال: ((ذُو الوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِندَ اللهِ وَجِيْهًا)). وروى أنس عن النَّبيِّ صلعم أنه قال: ((مَنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ فِي الدُّنيا جَعَلَ اللهُ(6) لَهُ لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ)) فينبغي للمؤمن العاقل أن يرغب بنفسِه عما يوبقُه ويخزيه عند الله تعالى.


[1] في (ت): ((من أشرِّ النَّاس يوم)).
[2] قوله: ((فيلقاهم بوجه سمح... أنه عنهم راض)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((في)) ليس في (ت) و(ص).
[4] في (ت) و(ص): ((مؤيدا)).
[5] في (ت) و(ص): ((الفريقين)).
[6] قوله: ((الله)) ليس في (ص).