شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}

          ░56▒ بابُ قَوْلِ اللهِ ╡(1): {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} الآية[النحل:90]
          وقال تعالى: {إنَّما بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُم}[يونس:23]وقال: {ثُمَّ(2) بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ}[الحج:60]، وترك إثارة الشرِّ على مسلم أو كافر.
          فيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم سَحَرَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمَ اليَهُودِيِّ(3) في مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبيُّ صلعم فَأُخْرِجَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: هَلَّا تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللهُ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ على النَّاس شَرًَّا). [خ¦6063]
          قال المؤلِّف: تأوَّل البخاريُّ ☼ مِن هذه الآيات الَّتي ذكرَها ترك إثارة الشرِّ على مسلم أو كافر كما دلَّ عليه حديث عائشة، ووجه ذلك _والله أعلم_ أنه تأوَّل في قولِه تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:90]النَّدب إلى الإحسان إلى المسيء وترك معاقبتِه على إساءتِه، فإن قيل: فكيف يصحُّ هذا التأويل في آيات البغي الَّتي ذكرَها؟ قيل: وجه ذلك _والله أعلم_ أنه لَمَّا أعلم الله تعالى عبادَه أن البغي ينصرف على الباغي بقولِه تعالى: {إنَّما بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُم}[يونس:23]وضمن تعالى نصرة مَن(4) بُغي عليه بقوله تعالى: {ثُمَّ(5) بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ}[الحج:60]كان الأولى بمَن(6) بغي عليه شكر(7) الله على ما ضمن مِن نصرِه ومقابلة ذلك بالعفو عمَّن بَغَى عليه، وكذلك فعل النَّبيُ صلعم باليهودي الَّذي سحرَه حين عفا عنه، وقد كان له الانتقام مِنه(8) بقولِه تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}[النحل:126]لكن آثر الصفح عنه أخذًا(9) بقولِه ╡: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[الشورى:43]وكذلك أخبرت عائشة عنه ◙ أنه كان لا ينتقم لنفسِه ويعفو عمَّن ظلمَه.
          وللسلف تأويل(10) في قولِه تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:90]أقوال أكثرُها يخالف تأويل(11) البخاري، فقال ابن عبَّاس: العدل شهادة أن لا إله إلا الله والإحسان أداء الفرائض، وقال غيرُه: العدل الفرض والإحسان النافلة، وقال ابن عيينة: العدل هاهنا استواء السريرة والعلانية والإحسان أن تكون السريرة أفضل مِن العلانية، وقال ابن مسعود: أجمع آية في القرآن لخير أو شرٍّ: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} الآية[النحل:90]، ويمكن أن يتخرَّج تأويل البخاري على هذا القول.
          وقولُه: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}[النحل:90]يعني عن(12) كل فعل أو قول قبيح، وقال ابن عبَّاس: هو الزِّنا.
          والبغي: قيل: هو الكبر والظُّلم، وقيل: هو التَّعدِّي ومجاوزة الحدِّ.
          وقال ابن عيينة: {إنَّما بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنيا}[يونس:23]المراد بها أنَّ البغي يعجل(13) عقوبتُه لصاحبه في الدُّنيا. يقال: البغي مصرعة.


[1] في (ص): ((قوله تعالى)).
[2] في نسخنا: (((ت) و(ز) و(ص): ((ومن)) بدل: ((وقال: ثم)) والمثبت من مصورة السلطانية وهو الذي في المطبوع. وفي حاشية مصورة السلطانية: ((ومن بغي عليه. قال الحافظ أبو ذر: التلاوة {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} قلت: كما في أصلي تراه وهو الصواب اهـ من اليونينية)) ينظر أيضًا فتح الباري (10/479).
[3] في (ت): ((أعصم اليهودية)).
[4] في (ت) و(ص): ((نصره لمن)).
[5] في (ت) و(ز) و(ص): ((ومن)) والمثبت التلاوة.
[6] في المطبوع: ((لمن)).
[7] تحتمل في (ص): ((يشكر)).
[8] قوله: ((منه)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((أخذاً)) ليس في (ت) و(ص).
[10] قوله: ((تأويل)) ليس في المطبوع.
[11] في (ص): ((قول)).
[12] قوله: ((عن)) ليس في (ت) و(ص).
[13] في (ص): ((تعجل)).