شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: ما يدعى الناس بآبائهم

          ░99▒ بابُ هَلْ يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ.
          فيه: ابنُ عُمَر: بأَنَّ(1) النَّبيَّ صلعم قَالَ: (إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ). [خ¦6177]
          قال المؤلِّف: مصداق هذا الحديث في قولِه تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا(2)}[الحجرات:13]قال أهل التَّفسير: الشُّعوب النَّسب الأبعد والقبائل النَّسب الأقرب يُقال فلان مِن بني فلان، غير أنَّ النَّسب إلى الآباء وإن كان هو الأصل فقد جاء في الحديث أن يُدْعَى المرء بأحبِّ أسمائِه إليه، وأحبُّها إليه أن يُدعَى بكنيتِه لما في ذلك مِن توقيرِه، والدُّعاء بالآباء أشدُّ في التَّعريف وأبلغ في التَّميُّز، وبذلك نطق الكتاب(3) والسنة.
          وقد كان الأعراب الجفاة يأتون النَّبيَّ صلعم وهو جالس مع أصحابِه فيقولون: أيُّكم محمَّد بن عبد المطَّلب، ولا يذكرون ما شرَّفه الله تعالى به مِن النُّبوَّة المعصومة والرِّسالة المؤيَّدة فلا ينكر ذلك عليهم لما خصَّه الله تعالى به مِن الخلق العظيم وجَبَلَه عليه مِن الطَّبع الشَّريف.
          وفي قولِه ◙: (هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانُ بنُ فُلَانٍ) ردٌّ لقول مَن زعم أنَّه لا يُدعَى النَّاس يوم القيامة إلَّا بأمَّهاتهم لأنَّ في ذلك سترًا على آبائهم، وهذا الحديث خلاف قولِهم.
          وفيه: جواز الحكم بظواهر الأمور إذا لم يمكن علم بواطنِها لأنَّه قد يجوز أن يكون كثير مِن النَّاس ممَّن يُدعَى إلى أبيه في الظَّاهر وليس كذلك في الباطن، ودلَّ عموم هذا الحديث على أنَّه إنَّما يُدعَى النَّاس بالآباء ولا يلزم داعيهم البحث عن حقيقة أمورِهم والتَّنقير عنهم.


[1] في (ص): ((أن)).
[2] قوله: ((لتعارفوا)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((القرآن)).