شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت

          ░78▒ بابُ إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ.
          فيه: أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاس مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ(1) فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ). [خ¦6120]
          قال الخطَّابي: قولُه: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ(2)) يريد أنَّ الحياء لم يزل مستحسنًا في شرائع الأنبياء الأوَّلين، وأنَّه لم يُنسخ في جملة ما نُسخ مِن شرائعِهم.
          قال المؤلِّف: قولُه: (فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) فيه وجهان:
          أحدُهما: أن يكون خرج بلفظ الأمر على معنى الوعيد والتهدُّد لمَنْ ترك الحياء كما قال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت:40]ولم يطلقهم ╡ على الكفر وفعل المعاصي، بل توعَّدهم بهذا اللَّفظ لأنَّه تعالى قد بيَّن لهم ما يأتون وما يتركون، وكقولِه صلعم: ((مَنْ بَاعَ الخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الخنازير)) فلم يكن في هذا إباحة تشقيص الخنازير، إذ الخمر محرَّم شربُها محظور بيعُها.
          والوجه الثَّاني: أن يكون معناه: اصنع ما شئت مِن أمر لا تستحي منه فلا(3) تفعله، والتَّأويل الأول أولى وهو الشَّائع في لسان العرب، ولم يقل أحد في تأويل الآية المذكورة غيرَه.


[1] في (ص): ((تستحيي)).
[2] زاد في (ص): ((من كلام النبوة)).
[3] قوله: ((فلا)) ليس في (ص) ولا المطبوع.