شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الغيبة

          ░46▒ بابُ الغِيْبَةِ وقولِه تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}[الحجرات:12].
          فيه: ابنُ عبَّاس: (مَرَّ النَّبيُّ صلعم على قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: أنهمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ(1)، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وأمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ). [خ¦6052]
          قال المؤلِّف: الغيبة قد فسَّرها / النَّبي صلعم في مرسل مالك عن الوليد بن عبد الله بن صيَّاد أن المطَّلب بن عبد الله بن حَنْطَبْ أخبرَه أنَّ رجلًا سأل النَّبيَّ صلعم ما الغيبة؟ قال: ((أَنْ تَذْكُرَ مِنَ المَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا، فَإِنْ قُلْتَ بَاطِلًا فَذَلِكَ البُهْتَانُ)).
          وترجم البخاري باب الغيبة وذكر فيه حديث النَّميمة إذ هي في معنى الغيبة لكراهية المرء أن يُذكَر عنه بظهر الغيب، فاشتبها مِن هذه الجهة، والغيبة المحرَّمة عند أهل العلم هي(2) اغتياب أهل السَّتر مِن المؤمنين ومَن لا يعلن بالمعاصي، فأما مَن جاهر بالكبائر فلا غيبة فيه، وروى عبد الرزَّاق عن معمر عن زيد بن أسلم قال: إنَّما الغيبة فيمَن لم يعلن بالمعاصي، وسأذكر(3) غيبة أهل المعاصي في باب ما يجوز مِن اغتياب أهل الفساد والرِّيب، والغيبة مِن الذنوب العظام الَّتي تحبط الأعمال(4).
          رُوي عن النَّبيِّ(5) صلعم أنه قال: ((الغِيْبَةُ تَأْكُلُ الحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ)).
          وقد قيل: أنها تفطر الصَّائم بإحباط أجرِه، وقد تأوَّل بعض أهل العلم في قولِه صلعم: ((أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ)) أنهما كانا يغتابان على ما تقدَّم ذكرُه(6) في باب الصِّيام، ولذلك قال النَّخَعِي: ما أبالي اغتبت رجلًا أو(7) شربت ماء باردًا في رمضان.
          وعنه ◙ أنه قال: ((مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاس)).
          ولعظيم(8) وزر الغيبة وكثرة ما تُحبط مِن الأجر كفَّ جماعة مِن العلماء عن اغتياب جميع النَّاس حتَّى لقد رُوي عن ابن المبارك أنه قال: لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ لأنهما أحقُّ النَّاس بحسناتي. وقال رجل لبعض السَّلف: إنَّك قلت فيَّ، قال: أنت إذًا أكرم عليَّ مِن نفسي؟! وقيل للحسن البصري: إن فلانًا اغتابك، فبعث إليه طبقًا مِن الطَّرَف، وقال: بلغني أنك أهديت إليَّ حسناتك فأردت أن أكافئك بها، والآثار في التَّشديد فيها كثيرة، وقد جاء حديث شريف في أجر مَن نصر مَن اغتيب عنده.
          روى عبد الرزَّاق عن مَعْمر عن أَبَان عن أنس: قال رسول الله: ((مَنِ اِغْتِيْبَ عِنَدَهُ أَخُوهُ المُسْلِمُ فَنَصَرَهُ نَصَرَهُ اللهُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْصُرْهُ أَدْرَكَهُ اللهُ بِهِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ)).


[1] في (ت) و(ص): ((كثير)).
[2] في (ت): ((في)).
[3] في (ت): ((وسأذكر)).
[4] قوله: ((غيبة أهل المعاصي... الَّتي تحبط الأعمال)) ليس في (ت) و(ص).
[5] في (ت) و(ص): ((الرَّسول)).
[6] قوله: ((ذكره)) ليس في (ت) و(ص).
[7] في (ت) و(ص): ((أم)).
[8] في (ت) و(ص): ((وتعظيم)).