شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر

          ░57▒ بابُ مَا يُنْهَى(1) عَنْهُ مِنَ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق:5]
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَحَاسَدُوا(2) وَلا تَدَابَرُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا) [خ¦6064]
          في هذا الحديث مِن الفقه الأمر بالألفة والمحبة(3) والنَّهي عن التَّباغض والتَّدابر، وما أمرهم النَّبيُّ صلعم فعليهم العمل به وما نهاهم عنه فعليهم الانتهاء عنه، غير موسِّع عليهم مخالفتَه إلا أن يخبرَهم صلعم أنَّ مخرج(4) أمرِه لهم ونهيِه على وجه الندب والإرشاد، وقد تقدَّم في باب الحب في الله تعالى قولُه صلعم: ((وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحَابُّوا)) فدلَّ ذلك(5) أنَّ أمرَه صلعم ونهيَه في هذا الحديث على الوجوب، وقال أبو الدَّرداء: ألا أخبركم بخيرٍ لكم مِن الصَّدقة والصِّيام: صلاح ذات البين، وإنَّ البغضة هي الحالقة. لأنَّ في تباغضِهم افتراق كلمتِهم وتشتت أمرِهم(6)، وفي ذلك ظهور عدوِّهم عليهم ودروس دينِهم.
          وفيه: النَّهي عن الحسد على النِّعم، وقد نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن أن يتمنَّوا ما فضَّل الله به(7) بعضَهم على بعض وأمرَهم أن يسألوه مِن فضلِه(8)، وسيأتي هذا المعنى في كتاب التَّمنِّي إن شاء الله تعالى(9).
          وقد أجاز النَّبي صلعم الحسد في الخير، وسيأتي ذلك أيضًا إن شاء الله تعالى(10).
          وفيه: النَّهي عن التَّجسَّس / وهو البحث(11) عن باطن أمور النَّاس وأكثر ما يُقال ذلك في الشرِّ(12)، وقال ابن الأعرابي وأبو عَمْرو الشَّيباني: الجاسوس: صاحب الشَّرِّ(13)، والنَّاموس صاحب(14) الخير.
          وقال أبو(15) سليمان الخطَّابي: وأمَّا التحسُّس بالحاء فقد اختُلف في تفسيرِه، فقال بعضُهم: هو كالتَّجسُّس سواء، وقرأ الحسن: ولا تحسَّسوا.
          ومنهم مَن فرَّق بينَهما، وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: التجسُّس البحث عن عورات المسلمين، والتحسُّس الاستماع لحديث القوم.
          وقال أبو عمرو: التحسُّس بالحاء أن تطلبَه لنفسك، وبالجيم أن تكون رسولًا لغيرك.
          وقال صاحب «العين»: دابرَتُ الرجل: عاديتُه، ومنه قولهم: جعلته دبر أذني، أي: خلفَها.


[1] في (ت) و(ص): ((نهي)).
[2] قوله: ((ولا تحاسدوا)) ليس في (ص).
[3] في (ت) و (ص): ((في هذا الحديث الأمر بالصحبة والألفة)).
[4] في (ص): ((يتخرج)).
[5] في (ص): ((ذاك)).
[6] في (ت): ((أمورهم)).
[7] قوله: ((به)) ليس في (ص).
[8] زاد في (ت) و(ص): ((وقد أجاز النَّبي الحسد في الخير)).
[9] قوله: ((هذا المعنى في كتاب التمني إن شاء الله تعالى)) ليس في (ت) و(ص).
[10] قوله: ((وقد جاز النَّبي صلعم الحسد في الخير، وسيأتي ذلك أيضاً إن شاء الله تعالى)) ليس في (ت) و(ص).
[11] في (ت) و(ص): ((النهي)).
[12] في (ت) و(ص) والمطبوع: ((السر)) ولعله الأولى.
[13] في المطبوع: ((سر الشر)).
[14] زاد في (ت) و(ص) والمطبوع: ((سر)).
[15] قوله: ((أبو)) ليس في المطبوع.