شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير

          ░45▒ بابُ مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاس نَحْوَ قَوْلِهِم الطَّوِيْلُ والقَصِيرُ.
          وَقَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ) وَمَا لا(1) يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (صَلَّى بِنَا رسُول الله صلعم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ...) الحديثَ. [خ¦6051]
          (وَكَانَ في الْقَوْمِ رَجُلٌ كَانَ النَّبي صلعم يَدْعُوهُ ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ(2):... صَدَقَ(3) ذُو الْيَدَيْنِ...) الحديثَ.
          قال المؤلِّف: اختلف أهل التَّأويل في قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}[الحجرات:11]فروى الأعمش عن أبي جُبَيرة بن الضحَّاك قال: كان أهل الجاهليَّة لهم الألقاب، للرَّجل منهم الاسمان والثَّلاثة، فدعا النَّبيُّ صلعم رجلًا منهم بلقبِه فقالوا: يا رسول الله، أنه يكرَه ذلك، فنزلت الآية. ورُوي عن ابن مسعود والحسن وقتادة وعكرمة(4) أنَّ اليهودي والنَّصراني كان يسلم فيلقب به، فيُقال: يا يهودي، يا نصراني، فنُهوا عن ذلك، ونزلت الآية، وعن ابن عيينة: لا تقل: كان يهوديًا ولا مشركًا.
          قال الطَّبري: وقد رأى قوم مِن السَّلف أنَّ وصف الرجل غيرَه بما فيه مِن الصِّفة غيبة له، قال شعبة: سمعت معاوية بن قُرَّة يقول: لو مرَّ بك أقطع فقلت: ذاك الأقطع، كانت منك غيبة.
          وعن الحسن: ألا تخافون أن يكون قولنا: حُميد الطَّويل غيبة؟ وكان قتادة يكره أن يُقال: كعب الأحبار، وسلمان الفارسي؛ ولكن كعب المسلم وسلمان المسلم، روى(5) سليمان الشَّيباني عن حسَّان ابن المُخَارِق: أنَّ امرأة دخلت على عائشة فلمَّا قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النَّبيِّ صلعم أنها قصيرة، فقال النَّبيُّ صلعم: ((اِغْتَبْتِهَا)).
          وروى موسى بن وردان عن أبي هريرة: أنَّ رجلًا قام(6) عند النَّبيِّ صلعم فرأوا في قيامه عجزًا، فقالوا: يا رسول الله، ما أعجز فلانًا، فقال النَّبيُّ صلعم(7): ((أَكَلْتُمْ أَخَاكُمْ وَاغْتَبْتُمُوهُ)).
          قال الطَّبري: وإنَّما يكون ذلك غيبة مِن قائلِه إذا قالَه على وجه الذمِّ والعيب للمقول فيه وهو له كاره، وعن مثل هذا ورد النهي، وأمَّا إذا قالَه على وجه التَّعريف والتَّميز له مِن سائر النَّاس كقولهم: يزيد الرِّشْك، وحميد الأرقط، والأحنف بن قيس، والنِّسبة إلى الأمهات: كإسماعيل ابن عليَّة وابن عائشة، فإنَّ ذلك بعيد من معنى الغيبة ومِن مكروه ما ورد به الخبر.
          قال المؤلِّف: ويشهد لصحة هذا قصة ذي اليدين، ويبين أنَّ معنى النَّهي عن التنابز بالألقاب في الآية أن يُراد به عيب الرجل وتنقُّصه قولُه صلعم: (أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟) فعرَّفه بطول يديه ولم يذكر اسمَه، ولو لم يجز ذلك ما ذكرَه النَّبيُّ صلعم ولهذا استجاز العلماء ذكر العاهات لرواة الحديث، روى أبو حاتم الرازي، حدثنا عَبْدة قال: سُئل ابن المبارك عن الرَّجل يقول: حميد الطَّويل، وسليمان الأعمش، وحميد الأعرج، ومروان الأصفر.
          فقال عبد الله: إذا أراد صفتَه ولم يرد غيبتَه فلا باس به، وسُئل عبد الرحمن بن مهدي عن ذلك، فقال: لا أراه غيبة، ربما سمعتُ شعبة يقول ليحيى بن سعيد: يا أحول، ما تقول؟ يا أحول، ما ترى؟ ذكره ابن القرظي في كتاب «الألقاب».


[1] قوله: ((لا)) ليس في (ص).
[2] في (ت): ((وقال)).
[3] في (ز): ((أصدق)) والمثبت من (ت) و (ص).
[4] في (ص): ((ابن مسعود وقتادة)).
[5] في (ت) و(ص): ((وروى)).
[6] في (ص): ((قائم)).
[7] في (ت) و(ص): ((قال رسول الله)).