شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الرجل للشيء: ليس بشيء وهو ينوي أنه ليس بحق

          ░117▒ بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّيْءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَهُوَ يَنْوِيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ.
          وقَالَ ابْنُ عبَّاس: قَالَ(1) النَّبيُّ صلعم للْقَبْرَيْنِ: (يُعَذَّبَانِ بِلَا كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ).
          فيه: عَائِشَةُ: (سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبيَّ صلعم عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ: صلعم: لَيْسُوا بِشَيْءٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ). [خ¦6213]
          قال المؤلِّف: هذا الباب أصل لما تقولُه العرب مِن نفيِهم العمل كلَّه إذا نفت التَّجويد فيه والإتقان، فتقول للصَّانع إذا لم يحكم صنعتَه: ما صنعت شيئًا، وتقول للشَّاعر(2) والمتكلِّم إذا لم يحسن القول: ما قلت شيئًا، على سبيل المبالغة في النَّفي، ولا يكون ذلك كذبًا كما قال صلعم في الكهَّان: (لَيْسُوْا بِشَيْءٍ) على(3) يأتون به مِن الكذب، يعني الَّذي ليس بشيء وهو خلق موجود، وهذا الحديث نص للتَّرجمة(4).
          وقولُه صلعم: (يُعَذَّبَانِ بِلَا كَبِيْرٍ) عندكم ليسارة التحرُّز من البول والتَّحفُّظ منه، فنفى عنه أنَّه كبير لانتفاء المشقة عنَّا في غسلِه على سبيل المبالغة في التحرُّز مما يوجب العذاب، وإن صغُر في نفسِه، ثم قال: (وَإِنَّهُ لَكَبِيْرٌ) يعني عند الله ╡، لورود الشَّرع بالأمر / بغسل البول وأنَّ مَن خالفَه فقد استحقَّ الوعيد إن لم يعف الله عنه.


[1] في (ص): ((قال ابن عبَّاس وقال)).
[2] في (ص): ((للسَّامر)).
[3] في (ص): ((لما)).
[4] في (ص): ((الترجمة)).