شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحذر من الغضب

          ░76▒ بابُ الحَذَرِ مِنَ الغَضَبِ.
          لِقَوْلهِ ╡: {وَالَّذينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى:37]وَقَوْلِهِ ╡: {الَّذينَ يُنْفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالعَافِيْن عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِيْنَ(1)}[آل عِمْرَان:134].
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الَّذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). [خ¦6114]
          وفيه: سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ: (اسْتَبَّ رَجُلًانِ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا(2) يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبيُّ ◙: إِنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ(3) النَّبيُّ صلعم؟ فقَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ). [خ¦6115]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلعم: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ(4) مِرَارًا، قَالَ: لا تَغْضَبْ). [خ¦6116]
          قال المؤلِّف(5): مدح الله تعالى الَّذين يغفرون عند الغضب / وأثنى عليهم، وأخبر أنَّ ما عندَه خير وأبقى لهم مِن متاع الحياة الدُّنيا وزينتِها، وأثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس، وأخبر أنَّه يحبُّهم بإحسانهم في ذلك، وقد روى معاذ بن جبل عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُو قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ ╡ عَلَى رُؤُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ حتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ)).
          وقال صلعم: ((لَيْسَ الشَّدِيْدُ بِالصُّرَعَةَ)) والصُّرَعَة الَّذي يصرع النَّاس ويكثر منه ذلك، كما يقال للكثير النَّوم نُوَمَة، وللكثير الحفظ حُفَظَة، فأراد صلعم أنَّ الَّذي يقوى على ملك(6) نفسِه عند الغضب ويردَّها عنه هو القويُّ الشَّديد والنِّهاية في الشَّدة لغلبتِه هواه المُرْدِي الَّذي زيَّنه له الشَّيطان المُغْوِي، فدلَّ هذا على(7) أنَّ مجاهدة النَّفس أشدُّ مِن مجاهدة العدوِّ لأنَّ النَّبيَّ صلعم جعل للَّذي يملك نفسَه عند الغضب مِن القوَّة والشِّدَّة ما ليس للذي يغلب النَّاس ويصرعُهم.
          ومِن هذا الحديث قال الحسن البصري حين سئل أيُّ الجهاد أفضل؟ فقال: جهادُك نفسَك وهواك.
          وفي حديث سليمان بن صرد أنَّ الاستعاذة بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم تذهب الغضب، وذلك أنَّ الشَّيطان هو الَّذي يزيِّن للإنسان الغضب وكلَّ ما لا تُحْمَدُ عاقبتُه ليرديَه ويغويَه ويبعدَه مِن رضا الله ╡، فالاستعاذة بالله تعالى منه مِن أقوى السَّلاح على دفع كيدِه، وذكر أيضًا أبو داود في حديث أبي ذر عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ)).
          وذكر أيضًا مِن حديث عطيَّة عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإنَّما تُطْفَأُ النَّارُ بِالمَاءِ فَإذِا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوضَّأْ)).
          وقال أبو الدَّرداء: أقرب ما يكون العبد مِن غضب الله تعالى إذا غضب، وفي بعض الكتب قال الله ╡: ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت. وقال بكر بن عبد الله: أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنَّم.


[1] قوله: ((والعافين عن النَّاس والله يحب المحسنين)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((عند النَّبي وهو عنده فأحدهما)).
[3] في (ص): ((قال)).
[4] في (ص): ((فرد)).
[5] قوله: ((قال المؤلِّف)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((على ذلك)).
[7] قوله: ((على)) ليس في (ص).