شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين

          ░79▒ بابُ مَا لَا يُسْتَحْيَا مِنه مِنَ الحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّيْنِ.
          فيه: أُمِّ سَلَمَةَ: أَنّ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحِي(1) مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ على الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ). [خ¦6121]
          وفيه: ابْنَ عُمَرَ أنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلا يَتَحَاتُّ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ، وَأَنَا غُلامٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَقَالَ عُمَر: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا). [خ¦6122]
          وفيه: أَنَس: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبيِّ صلعم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ فيَّ حَاجَةٌ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا! فَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ عَرَضَتْ على رَسُولِ اللهِ صلعم نَفْسَهَا). [خ¦6123]
          قولُها: (إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي(2) مِنَ الحَقِّ) يدلُّ(3) أنَّه لا يجوز الحياء عن السُّؤال في أمر الدِّين، وجميع الحقائق الَّتي تعبَّد الله سبحانه عبادَه بها، وأنَّ الحياء في ذلك مذموم.
          وفي حديث ابن عمر أنَّ الحياء مكروه لمَن علم علمًا فلم يخبر به بحضرة مَن هو فوقَه إذا سُئل عنه، ألا ترى حرص عمر على أن يقول ابنُه أنَّها النَّخلة، وقد تقدَّم هذا(4) في كتاب العلم.
          وقول النَّبيِّ صلعم في المرأة الَّتي عرضت نفسَها عليه لابنتِه: (هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ) حجَّة في أن لا يُستحيا ممَّا(5) يحتاج إليه.
          وقولُه: (لَا يَتَحَاتُّ) أي لا يسقط مِن احتكاك بعضِه(6) ببعض، تقول العرب: حتَّ الورق والطِّين اليابس مِن الثوب حتًّا: فركَه ونقضَه.


[1] في (ص): ((لا يستحيي)).
[2] في (ص): ((لا يستحيي)).
[3] زاد في المطبوع: ((على)).
[4] قوله: ((هذا)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((فيما)).
[6] في المطبوع: ((بعضهم)).