شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى

          ░113▒ بابُ التَّكَنِّيْ بِأَبِي تُرَابٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أٌخْرَى.
          فيه: سَهْلٌ: (إِنْ كَانَتْ(1) أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ إِلَيْهِ لَأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ نَدْعُوهُ بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلَّا النَّبيُّ صلعم، غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ فَاضْطَجَعَ إلى الْجِدَارِ في الْمَسْجِدِ، وجَاءَهُ النَّبيُّ صلعم يَتْبَعُهُ(2)، فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ في الْجِدَارِ، فَجَاءَهُ النَّبيُّ صلعم، فَامْتَلأ(3) ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النَّبيُّ صلعم يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ، وَيَقُولُ: اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ). [خ¦6204]
          قال المؤلِّف: الكنية موضوعة لإكرام المدعوِّ بها وإتيان مسرَّتِه لأنَّه لا يتكنَّى المرء إلا بأحبِّ الكنى إليه، وهو مباح له أن يتكنَّى بكنيتين إن اختار ذلك ولاسيَّما إن كنَّاه بأحدِهما(4) رجل صالح أو عالم، فله أن يتبرَّك بكنيتِه(5) لأنَّ عليًّا كان أحب الكنى إليه أبو(6) تراب.
          وفي هذا الحديث أنَّ أهل الفضل قد يقع بينَهم وبين أزواجِهم ما جبل الله تعالى عليه البشر مِن الغضب والحرج حتَّى يدعوهم ذلك إلى الخروج عن بيوتهم، وليس ذلك بعائب لهم.
          وفيه ما جبل الله سبحانه عليه رسولَه صلعم مِن كرم الأخلاق وحسن المعاشرة وشدَّة التَّواضع، وذلك أنَّه طلب عليًّا واتَّبعَه حتَّى عرف مكانَه ولقيَه بالدُّعابة، وقال له: (اِجْلِسْ أَبَا تُرَابٍ) ومسح التراب عن ظهرِه ليبسِّطَه ويذهب غيظَه وتسكن نفسُه بذلك، ولم يعاتبْه على مغاضبتِه لابنتِه صلعم.
          وفيه مِن الفقه الرِّفق بالأصهار وترك معاتبتِهم، وقد تقدَّم هذا المعنى في كتاب الاستئذان في باب القائلة في المسجد، وتقدَّم الحديث أيضًا في باب نوم الرجل في المسجد في كتاب الصَّلاة(7).


[1] في (ص): ((كان)).
[2] في (ص): ((بيته)).
[3] في المطبوع: ((وامتلأ)).
[4] في (ص): ((بإحداهما)).
[5] في (ص): ((أن يترك تكنيته)).
[6] في (ص): ((أبا)).
[7] قوله: ((وقد تقدم هذا المعنى... كتاب الصلاة)) ليس في (ص).