شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الرجل: فداك أبي وأمي

          ░103▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.
          فيه الزُّبَيرُ عن النَّبيِّ صلعم(1).
          وفيه: عَلِيٌّ قَالَ: (مَا سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يُفَدِّي أَحَدًا غَيْرَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ارْمِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، أَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ). [خ¦6184]
          قد تقدَّم معنى تفدية / الرَّجل لأخيه في كتاب الجهاد ونذكر هنا ما لم يمض هناك.
          قال الطَّبري: إن قال قائل: قول عليٍّ: (مَا سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَفْدِي رَجُلًا غَيرَ سَعْدٍ) هل يعارض حديث الزُّبير؛ فقد روى هشام بن عروة عن أبيه أنَّ عبد الله بن الزُّبير قال يوم الخندق للزُّبير: يا أَبَهْ، لقد رأيتك تَحمل على فرسك الأشقر، قال: هل رأيتني أيْ بُنيَّ؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلعم يجمع لأبيك أبويه، يقول: ((اِحْمِلْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي)).
          قال الطَّبري: وقول الزُّبير غير دافع صحَّة ما قال عليٌّ لأنَّ عليًا إنَّما أخبر عن نفسِه أنَّه لم يسمع النَّبيَّ صلعم جمع أبويه لأحد غير سعد، فجائز أن يكون جمع للزُّبير أبويه ولم يسمعْه علي وسمعَه الزُّبير، فأخبر كلُّ واحد منهما بما سمع، وليس في قول مَن قال: لم أسمع فلانًا يقول كذا نفي منه أن يكون سمع ذلك منه غيرُه، ولا في قول مَن قال: سمعت فلانًا يقول كذا إيجاب منه أن يكون لا أحد إلَّا وقد سمع ذلك الخبر منه.


[1] قوله: ((عن النَّبي صلعم)) ليس في (ص).