شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته

          ░18▒ بابُ رَحْمَةِ الوَلَدِ وَتَقْبِيْلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ.
          وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: (أَخَذَ النَّبي صلعم إِبْرَاهِيْمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ).
          فيه: ابنُ عُمَر: (أَنَّ رجلًا سَأَلَهُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: انْظُرُوا إلى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبي ◙، وَسَمِعْتُ النَّبي صلعم يَقُولُ: هُمَا رَيْحَانَتَيَ(1) مِنَ الدُّنيا). [خ¦5994]
          وفيه: عَائِشَةُ: (جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبي صلعم فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ بَلِي(2) مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ(3) لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ). [خ¦5995]
          وفيه: أَبُو قَتَادَةَ: (خَرَجَ عَلَيْنَا(4) النَّبي صلعم وأمَّامَةُ بِنْتُ أبي الْعَاصِ على عَاتِقِهِ، فَصَلَّى فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَها(5) وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا). [خ¦5996]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (قَبَّلَ النَّبي صلعم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيميُّ جَالِسٌ، فَقَالَ الأقْرَعُ: إِنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ وقَالَ(6): مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ). [خ¦5997]
          وفيه: عَائِشَةُ: (جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى(7) النَّبي صلعم فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ؟ فَقَالَ النَّبي صلعم: أَوَ أَمْلِكُ لَكَ(8) أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحمة). [خ¦5998]
          وفيه: عُمَرُ: (قَدِمَ على النَّبي صلعم سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًا في السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ(9) بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ(10)، فَقَالَ لَنَا النَّبي صلعم: أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا، وَهِيَ تَقْدِرُ(11) على أَلا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: الَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا). [خ¦5999]
          قال المؤلِّف: رحمة الولد الصَّغير ومعانقتُه وتقبيلُه والرِّفق به من الأعمال الَّتي يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قولَه صلعم للأقرع بن حابس حين ذَكر عند النَّبي صلعم أنَّ له عشَرة مِن الولد ما قبَّل / منهم واحدًا(12): (مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ) فدلَّ أنَّ تقبيل الولد الصَّغير وحملَه والتَّحفِّي به مما تُستحقُّ به رحمة الله، ألا ترى حمل النَّبي صلعم أُمامة ابنة أبي العاص على عنقِه في الصَّلاة، والصَّلاة أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر ◙ بلزوم الخشوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حملُه لها صلعم في الصَّلاة(13) مما يضادُّ الخشوع المأمور به فيها، وكرِه أن يشقَّ عليها لو تركَها ولم يحملْها في الصَّلاة. وفي(14) فعلِه ◙ ذلك أعظم الأسوة لنا، فينبغي الاقتداء به في رحمة(15) صغار الولد وكبارِهم والرِّفق بهم، ويجوز تقبيل الولد الصَّغير في سائر جسدِه.
          وروى جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عبَّاس: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم أُتِيَ بِالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ فَفَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَقَبَّلَ زُبَيْبَهُ(16))).
          وأمَّا تقبيل كبار الولد وسائر الأهل فقد رخَّص في ذلك العلماء، قال أشهب: سُئل مالك عن الَّذي يقدم مِن سفره فتلقاه ابنتُه تقبِّلُه أو أختُه أو أهلُ بيتِه؟ قال: لا بأس بذلك، وهذا على وجه الرِّقَّة وليس على وجه اللَّذَّة، وقد كان النَّبي(17) صلعم يقبِّل ولده وبخاصَّة(18) فاطمة، وكان أبو بكر يقبِّل عائشة، وقد فعل ذلك أكثر أصحاب النَّبي صلعم وذلك على وجه الرَّحمة.
          وفي حديث ابن عُمَرَ مِن الفقه أنَّه يجب على المرء أن يقدِّم تعليم ما هو أوكد عليه مِن أمر دينِه، وأن يبدأ بالاستغفار والتَّوبة مِن أعظم ذنوبِه وإن كانت التَّوبة مِن جميعِها فرضًا عليه فهي مِن الأعظم أوكد، ألا ترى ابن(19) عُمَر أنكر على السَّائل سؤاله عن حكم دم البعوض وتركِه الاستغفار والتوبة مِن دم الحسين ☺، وقرَّعَه به دون سائر ذنوبِه لمكانتِه مِن النَّبي صلعم.
          وقولُه في حديث عائشة: (مَنْ بُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ) دليل أنَّ أجر القيام على البنات أعظم مِن أجر القيام على البنين، إذ لم يذكر(20) صلعم مثل ذلك في القيام على البنين، وذلك والله أعلم مِن أجل أنَّ مؤنة البنات والاهتمام بأمورهنَّ أعظم مِن أمور البنين لأنَّهنَّ عورات(21) لا يباشِرْنَ(22) أمورهنَّ ولا يتصرفن تصرُّف البنين.


[1] في متن (ت): ((ريحاني)) ونبَّه في الحاشية إلى نسخة: ((ريحانتي)).
[2] في متن (ت): ((يلي)) وكتب في الحاشية: ((نسخة بُلي)).
[3] قوله: ((كن)) ليس في (ت).
[4] في (ص): ((إلينا)).
[5] في (ت) و(ص): ((وضع)).
[6] في (ص): ((فقال)).
[7] قوله: ((إلى)) ليس في (ت).
[8] قوله: ((لك)) زيادة من (ت) و (ص).
[9] قوله: ((فألصقته)) ليس في (ت) و(ص).
[10] في (ت): ((فأرضعته)).
[11] في (ت) و(ص): ((قادرة)).
[12] في (ص): ((أحداً)).
[13] قوله: ((في الصلاة)) ليس في (ت) و(ص).
[14] في (ت) و(ص): ((في)).
[15] في (ت) و(ص): ((رحمته)).
[16] في (ت) صورتها: ((زبيه))، في المطبوع: ((زبيبته)).
[17] قوله: ((النَّبي)) ليس في (ت) و(ص).
[18] في (ت) وتحتمل في (ص): ((ولخاصة)).
[19] قوله: ((ابن)) ليس في (ت).
[20] زاد في (ت): ((النَّبي)).
[21] في (ص): ((عذرات)).
[22] في (ز): ((يباشر)) والمثبت من (ت) و (ص).