شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار

          ░48▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم خَيْرُ دُوْرِ الأَنْصَارِ.
          فيه: أَبُو أُسَيْد: قَالَ النَّبيُّ صلعم: ((خَيْرُ(1) الأنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ)).
          قال المهلَّب: ترجم له(2) باب / خير دور الأنصار وأدخل فيه: (خَيْرُ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ) وإنَّما أراد صلعم بقولِه: (خَيْرُ دُوْرِ الأَنْصَارِ) أهلَ الدُّور كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف:82]{وَالْعِيْرَ}[يوسف:82]وهو يريد أهلَها، وقد جاء هذا الحديث في غير هذا الموضع: (خَيْرُ دُوْرِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ(3)). [خ¦6053]
          وقال ابن قتيبة: الدُّور في هذا الحديث القبائل، ويدل على ذلك الحديث الآخر: ((مَا بَقِيَ دَارٌ إِلَّا بُنِيَ فِيْهَا مَسْجِدٌ)) أي ما بقيت قبيلة.
          قال المهلَّب: وإنَّما استوجب بنو النَّجَّار الخير في هذا الحديث لمسارعتِهم إلى الإسلام، وقد بيَّنَه النَّبي صلعم في حديث الأقرع بن حابس حين قال للنَّبيِّ صلعم: إنَّما بايعك سرَّاق الحجيج مِن طيء وأسلم وغفار _يريد تهجين هذه القبائل الضعيفة القليلة العدد المسارعة إليك لقلَّتها وضعفها لتكثر بك وبأصحابك ولتعزَّ من ذلَّتها_ فقال النَّبيُّ صلعم: ((أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَتْ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ)). يريد بمسارعتِها إلى الإسلام، فاستوجبت بذلك ما أثنى الله ╡ عليها في القرآن في قولِه تعالى(4): {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ والَّذِيْنَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ(5)} الآية[التوبة:100]، فكذلك استوجب بنو النَّجَّار بالمسارعة إلى الإسلام مِن الخيريَّة ما لم يستوجبْه بنو عبد الأشهل المتباطؤون(6) بالإسلام.
          قال المؤلِّف: فإن قال قائل: ما معنى دخول هذا الحديث في أبواب الغيبة؟
          قيل: معناه بيِّنٌ في ذلك، وهو أنه يدلُّ على أنه يجوز للعالم أن يفاضل بين النَّاس وينبِّه على فضل الفاضل، ونقص مَن لا يلحق بدرجتِه في الفضل، ولا يكون ذلك مِن باب الغيبة، كما لم يكن ذكر النَّبيِّ صلعم لغير بني النجار أنهم دون بني النجار في الفضل مِن باب الغيبة(7) ومثل هذا اتِّفاق المسلمين مِن أهل السُّنَّة أنَّ أبا بكر أفضل مِن عمر، وليس ذلك غيبة لعمر ولا نقصًا له، ولهذا(8) جاز لابن معين وغيرِه مِن أئمة الحديث تجريح الضعفاء وتبيين أحوالِهم خشية التباس أمرِهم على العامَّة واتِّخاذِهم أئمة وهم غير مستحقِّين للإمامة.


[1] زاد في (ت) و (ص): ((دور)).
[2] قوله: ((له)) زيادة من (ت) و (ص).
[3] قوله: ((بنو النجار)) زيادة من (ت) و (ص).
[4] في (ت) و(ص): ((القرآن بقوله)).
[5] قوله: ((والَّذين اتبعوهم بإحسان)) ليس في (ت) و(ص).
[6] في (ص): ((المتبطئون)).
[7] قوله: ((كما لم يكن ذكر النَّبي... من باب الغيبة)) ليس في (ص).
[8] في (ت) و(ص): ((ولذلك)).