شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: كل معروف صدقة

          ░33▒ بابٌ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ.
          فيه: جَابِرٌ(1): قَالَ النَّبي صلعم: (على كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَيَعْمَلُ بيده وَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ، قَالَوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَأنه(2) لَهُ صَدَقَةٌ). [خ¦6021]
          قال المؤلِّف: المعروف مندوب إليه، ودلَّ هذا الحديث أنَّ فعلَه صدقة عند الله ╡ يثيب المؤمن عليه ويجازيْه به وإن قلَّ لعموم قولِه: (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ).
          وقولُه في حديث أبي موسى: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ) معناه أنَّ ذلك عليه(3) في كرم الأخلاق وآداب الإسلام، وليس ذلك بفرض عليه للإجماع على أنَّ كل فرض في الشَّريعة مقدَّر محدود.
          وفي هذا الحديث تنبيه للمؤمن المعسر على أن يعمل بيدِه وينفق على نفسِه ويتصدَّق مِن ذلك(4) ولا يكون عيالًا على غيرِه، وقال مالك بن دينار: قرأت في التوراة: طوبى للذي يعمل بيدِه ويأكل، طوبى لمحياه، وطوبى لمماتِه.
          وروي عن عُمَر بن الخطاب أنه قال: يا معشر القرَّاء خذوا طريق مَن كان قبلَكم وارفعوا رؤوسكم، ولا تكونوا عيالًا على المسلمين(5).
          وفيه: أنَّ المؤمن إذا لم يقدر على باب مِن أبواب الخير ولا فُتِحَ له فعليه أن ينتقل إلى باب آخر يقدر عليه فإنَّ أبواب الخير كثيرة والطريق(6) إلى مرضاة الله ╡ غير معدومة، ألا ترى تفضَّل الله سبحانه على عبدِه حين جعل له في حال عجزِه عن الفعل عوضًا مِن(7) القول وهو الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ثم جعل عوضًا مِن ذلك لمَن لم يقدر عليه الإمساك عن الشرِّ صدقة.
          قال المهلَّب: وهذا يشبه الحديث الآخر: ((مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ)).
          وفيه حجَّة لمَن جعل التَّرك عملًا وكسبًا للعبد بخلاف مَن قال مِن المتكلِّمين: إنَّ التَّرك ليس بعمل، وقد فسَّر(8) النَّبيُّ صلعم ذلك بقولِه: ((فَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَأنه لَهُ صَدَقَةٌ)).


[1] زاد في المطبوع: ((عَنِ النَّبي صلعم قال: (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ). وفيه: أَبُو مُوسَى)) وفيه تعليق مهم.
[2] في (ت) و(ص): ((فأنها)).
[3] قوله: ((عليه)) ليس في (ت) و(ص).
[4] قوله: ((من ذلك)) ليس في (ت).
[5] في (ت) و(ص): ((النَّاس)).
[6] في (ت): ((والطرق)).
[7] في (ت): ((عن)).
[8] في (ص): ((بين))، وفي (ت): ((قال)).