شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحياء

          ░77▒ بابُ الحَيَاءِ.
          فيه: عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (الْحَيَاءُ لا يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ، فَقَالَ(1) بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ في الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ بن حصين: أُحَدِّثُكَ(2) عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ). [خ¦6117]
          وفيه: ابْن عُمَرَ: (مَرَّ النَّبيُّ صلعم عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتَبُ(3) في الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ تَسْتَحْيِي حتَّى كَأنه يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ). [خ¦6118]
          وفيه: أَبُو سَعِيدٍ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا). [خ¦6119]
          قولُه(4) ◙: (الحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ) معناه أنَّ مَن استحيا مِن النَّاس أن يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم فذلك داعية له إلى أن يكون أشدَّ حياء مِن ربِّه وخالقِه ╡، ومَن استحيا مِن ربِّه فإنَّ حياءَه زاجر له عن تضييع فرائضِه وركوب معاصيه؛ لأنَّ كلَّ ذي فطرة صحيحة يعلم أنَّ الله ╡ النَّافع له والضَّار والرازَّق والمحيي والمميت، وإذا(5) علم ذلك فينبغي له أن يستحي(6) منه ╡، وهو قولُه صلعم: (دَعْهُ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيْمَانِ) فمعناه(7) أنَّ الحياء مِن أسباب الإيمان وأخلاق أهلِه.
          وذلك أنَّه لمَّا كان الحياء يمنع مِن الفواحش، ويحمل على البرِّ والخير كما يمنع الإيمان صاحبَه مِن الفجور، ويقيِّده عن المعاصي ويحملُه على الطَّاعات(8) صار كالإيمان لمساواتِه له في ذلك، وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن فاشتبها مِن هذه الجهة، وقد تقدَّم هذا المعنى(9) في كتاب الإيمان. وإنَّما غضب عِمْرَان بن حُصين لأنَّ بُشَير بن كعب حدَّثه عن صحيفتِه فيما كان حدَّثه به عِمْرَان عن النَّبيِّ صلعم فهذا أصلٌ أنَّ الحجة إنَّما هي في سنَّة رسول الله صلعم لا فيما يروى عن كتب الحكمة لأنَّه لا يُدرى ما في حقيقتِها، وقد روى في هذا الحديث عِمْرَان أن بُشَير بن كعب قال له: إنَّ مِن الحياء ضعفًا، وعلى هذه اللفظة يكون غضب عِمْرَان أوكد لمخالفتِه لقولِه صلعم: ((الحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ)) ولقولِه صلعم للَّذي كان يقول صاحبُه إنَّك تستحي حتَّى أضرَّ بِك الحياء: ((دَعْهُ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيْمَانِ)) فدلَّت هذه الآثار أنَّ الحياء ليس بضارٍّ / في حالة مِن الأحوال ولا بمذموم.


[1] في (ص): ((وقال)).
[2] في (ص): ((نحدثك)).
[3] في حاشية مصورة السلطانية ما نصه: ((يُعَاتَبُ كذا في اليونينية والفرع بفتح التاء وفي القسطلاني يُعاتِبُ أخاهُ)).
[4] في (ص): ((وقوله)).
[5] في (ص): ((فإذا)).
[6] في (ص): ((يستحيي)).
[7] في (ص): ((معناه)).
[8] في (ص): ((الطاعة)).
[9] قوله: ((هذا المعنى)) ليس في (ص).