شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الانبساط إلى الناس

          ░81▒ بابُ الاِنْبِسَاطِ إِلى النَّاسِ.
          وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: خَالِطِ النَّاس وَدِينَكَ لا تَكْلِمَنَّهُ، وَالدُّعَابَةِ مَعَ الأهْلِ.
          فيه: أَنَس: (إِنْ كَانَ النَّبيُّ صلعم لَيُخَالِطُنَا حتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِيْ صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ). [خ¦6129]
          وفيه: عَائِشَةُ ♦ قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم وَكَانَ لي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي). [خ¦6130]
          قال المؤلِّف: كان النَّبيُّ صلعم أحسن الأمَّة أخلاقًا وأبسطَهم وجهًا، وقد وصف الله تعالى ذلك بقولِه: {وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4]فكان ينبسط إلى النِّساء والصِّبيان ويمازحُهم ويداعبُهم، وقد رُوي(1) عنه صلعم أنَّه قال: ((إِنِّيْ لَأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا)) وكان يسرِّح إلى عائشة صواحباتِها ليلعبن معها، فينبغي للمؤمن(2) الاقتداء بحسن أخلاقِه وطلاقة وجهِه صلعم.
          وقال أبو عُبيد: قولُه: (يَتَقَمَّعْنَ) يعني دخلن البيت وتغيَّبن، يقال للإنسان قد انقمع وقمع إذا دخل في الشيء أو دخل بعضُه في بعض.
          وقال(3) الأصمعي: ومنه(4) سُمَّي القَـِمْعُ الَّذي يصبُّ فيه الدُّهن وغيرُه لأنَّه يدخل في الإناء.
          والَّذي يُراد مِن الحديث الرُّخصة في اللُّعَب الَّتي تلعب بها الجواري وهي البنات، / فجاءت فيها الرُّخصة وهي تماثيل، وليس وجه ذلك عندنا إلا مِن أجل أنَّها لهو الصِّبيان، ولو كان للكبار(5) لكان مكروهًا، كما جاء النَّهي في التَّماثيل كلِّها وفي الملاهي.
          وقال غيرُه: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ(6)) منسوخ بنهي النَّبيِّ صلعم عن الصُّور لأنَّ كلَّ مَن رخَّص في الصُّور فيما كان رقمًا أو في تصوير الشَّجر وما لا روح له، كلُّهم قد أجمعوا أنَّه لا يجوز تصوير ما له روح.
          وذكر ابن أبي زيد عن مالك(7) أنَّه كره أن يشتري الرَّجل لابنته الصُّور.


[1] في المطبوع: ((وروي)).
[2] في (ص): ((للمؤمنين)).
[3] في (ص): ((قال)).
[4] في المطبوع: ((فيه)).
[5] في (ص): ((في الكبار)).
[6] قوله: ((بالبنات)) ليس في (ص).
[7] قوله: ((عن مالك)) ليس في المطبوع.