شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «تربت يمينك»، و«عقرى حلقى»

          ░93▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: تَرِبَتْ يَمِيْنُكِ وعَقْرَى حَلْقَى.
          فيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لا آذَنُ لَهُ حتَّى أَسْتَأْذِنَ النَّبيَّ صلعم، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: إِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ...) الحديث. [خ¦6156]
          وفيه: عَائِشَةُ: (أَرَادَ النَّبِيُّ صلعم أَنْ(1) يَنْفِرَ فَرَأَى صَفِيَّةَ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَاضَتْ، فَقَالَ: عَقْرَى حَلْقَى، لُغَةٌ لِقُرَيْشٍ(2)...) الحديث. [خ¦6157]
          قال المؤلِّف(3): قال ابن السِّكِّيت: يقال: تربت يداه إذا افتقر ولم يَدْعُ عليه بذهاب مالِه، وإنَّما أراد المثل ليرى المأمور بذلك الجدِّ وأنَّه إن خالفَه فقد أساء، وقال الأصمعي: في قولِه صلعم(4): (تَرِبَتْ يَمِيْنُكِ) و(تَرِبَتْ يَدَاكِ) معناه الاستحثاث كما تقول: انْجُ ثكلتك أمُّك، وأنت لا تريد أن يثكل، وقال أبو عَمْرو: أصابها التُّراب ولم يَدْعُ بالفقر عليها.
          وقال أبو زيد: ترب إذا افتقر وإنَّما أراد بهذا أن في يديه التُّراب، قال النحَّاس: أي ليس يحصل في يديه إلا التُّراب، وقال ابن كَيْسان: المثل جرى على أنَّه إن فاتك ما أغريتُك به افتقرتْ إليه يداك فكأنَّه(5) قال: تربت يداك إن فاتك، وهذا مِن الاختصار الَّذي عرف معناه، وقال غيرُه: هي كلمة لا يُراد بها الدعاء وإنَّما تستعمل في المدح كما قالوا للشَّاعر إذا أجاد: قاتله الله لقد أجاد، وكما قالوا: ويل أمِّه مُسَعِّر حرب، وهو يتعجَّب منه ويمدحُه ولكنه دعاء على أمِّه بالويل، وهو لا يريد الدُّعاء عليها مِن غضب، وهذا كلامُهم وهو مثل تربت يمينك.
          واختلف أهل اللغة أيضًا في تأويل قوله: (عَقْرَى حَلْقَى) فقال صاحب «العين»: يقال للمرأة: عقرى حلقى أي مشؤومة، ويقال: هو دعاء عليها يريد حلقَها الله وعقرَها(6)، وقال أبو علي القالي: عقرى مِن العقر دعاء على الإنسان وعقرًا أيضًا، وحَلْقى مِن حلق الرَّأس(7)، وحلقًا أيضًا، وقال ابن قتيبة: عقرى حلقى أي عقرَها الله وأصابَها بوجع في حلقِها، وقال أبو عُبيد في كتاب «الأمثال»: ومِن الدعاء قولُهم عقرًا حلقًا، وأهل الحديث يقولون: عقرى حلقى، وقال في «غريب الحديث»: عقرى حلقى وعقرًا حلقًا.


[1] في (ص): ((أَنَّ النَّبي صلعم أَرَادَ أن)).
[2] في (ص): ((قريش)).
[3] في (ص): ((المهلَّب)).
[4] من قوله: ((فتجوَّزت فزعم أني منافق)) في الحديث (6101) إلى قوله هنا: ((وقال الأصمعي في قوله صلعم)) ليس في (ت).
[5] في (ت) و(ص): ((كأنه)).
[6] في (ت) و(ص): ((هو دعاء عليها يراد عقرها الله وحلقها)).
[7] زاد في (ت) و(ص): ((دعاء على الإنسان أيضاً)).