شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب طلب الولد

          ░121▒ بَاب طَلَبِ / الْوَلَدِ.
          فيه جَابِرٌ: (كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلعم في غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا، تَعَجَّلْتُ على بَعِيرٍ قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلعم قَالَ: مَا يُعْجِلُكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا؟ فَقُلْتُ(1): بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، قَالَ(2): أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا _أَيْ عِشَاءً_ لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ). قَالَ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ، أَنَّهُ قَالَ في هَذَا الْحَدِيثِ: (الْكَيْسَ، الْكَيْسَ، يَا جَابِرُ)، يعني الْوَلَدَ. وَقَالَ جَابِرٌ مَرَّةً عن النَّبيِّ صلعم: (فَعَلَيْكَ بِالْكَيْسِ الْكَيْسِ). [خ¦5245]
          قال المُهَلَّب: طلب الولد مندوبٌ إليه؛ لقوله ◙: ((إنِّي مكاثرٌ بكم الأمم))، فإنَّه(3) من مات من ولده من لم يبلغ الحنث(4)، فإنَّ الله يدخله الجنَّة بفضل رحمته لهم(5).
          فإن قال قائلٌ: قوله ◙: (أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا(6)، عِشَاءً)، يعارض نهيه ◙ أن يأتي الرجل أهله طروقًا.
          قيل: لا تعارض بينهما بحمد الله، وفي هذا الحديث أمر المسافر(7) إذا قدم البلد نهارًا أن يتربَّص حتَّى يدخل إلى أهله عشاءً لكي يتقدَّمه إلى أهله خبر قدومه، فتمتشط(8) الشعثة، وتتزيَّن وتستحدَّ له وتتنظَّف؛ لئلَّا يجدها على حالةٍ يكرهها فتقع البغضة، رفقًا منه صلعم بأمَّته، ورغبةً في إدامة المودَّة بينهما وحسن العشرة.
          وقوله في الحديث(9): (أَمْهِلُوا حتى تَدْخُلُوا لَيْلًا أَيْ(10) عِشَاءً)، يدلُّ على قدومهم في النهار إن أرادوا ذلك(11)، والحديث الآخر الذي نهى فيه عن طروق أهله ليلًا بخلاف هذا المعنى؛ لأنَّ الطروق لا يكون وقت العشاء، وإنَّما يكون لمن يقدم فجأةً بعد مضيِّ(12) وقت من الليل، فنهي عن ذلك للعلَّة(13) التي ذكرها في الحديث، وهي خشية أن يتخوَّنهم أو يطلب غرَّتهم، لاسيَّما إذا طالت غيبته، فإنَّها تبعد مراقبتها له، وتكون يائسةً من تعجُّله إليها، فيجد الشيطان سبيلًا إلى إيقاع سوء الظنِّ.


[1] في (ز): ((قال)) والمثبت من (ص).
[2] في (ص): ((فقال)).
[3] في (ص): ((وأنه)).
[4] في (ص): ((الحلم)).
[5] في (ص): ((إياهم)).
[6] زاد في (ص): ((أي)).
[7] في (ص): ((للمسافر)). وقوله: ((البلد)) ليس فيها.
[8] زاد في (ص): ((له)).
[9] زاد في (ص): ((الآخر)).
[10] قوله: ((أي)) زيادة من (ص).
[11] قوله: ((إن أرادوا ذلك)) ليس في (ص).
[12] في (ص): ((بعدما مضى)).
[13] في (ص): ((فلعله)).