شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا كان الولي هو الخاطب

          ░37▒ بابُ إِذَا كَانَ الوَلِيُّ هُوَ الخَاطِبَ /
          وَخَطَبَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ لأُمِّ حَكِيمٍ ابْنَةُ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قَالَتْ(1): نَعَمْ، قَالَ: إِنِّي قَدْ تزَوَّجْتُكِ(2)، وَقَالَ عَطَاءٌ: لِيُشْهِدْ إِنِّي قَدْ(3) نَكَحْتُكِ، أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا، وَقَالَ سَهْلٌ: (قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صلعم: أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ لَمْ يكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا).
          فيهِ عَائِشَةُ: في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} الآية[النِّساء:127]، قَالَتْ(4): هِيَ اليَتِيمَةُ، تَكُونُ في حِجْرِ الرَّجُلِ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ، فَيَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ(5)، فَيَحْبِسُهَا، فَنَهَاهُمُ اللهُ ╡ عَنْ ذَلِكَ. [خ¦5131]
          وفيهِ سَهْلٌ: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى(6) النَّبِيِّ صلعم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ(7): اذْهَبْ، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ). [خ¦5132]
          اختلف العلماء في الوليِّ هل يزوِّج نفسه مِنْ وليَّته إذا أذنت له وينعقدُ(8) النِّكاح ولا يُرفعُ ذلك إلى السُّلطانِ؟ فأجاز ذلك الحَسَنُ البَصْرِيُّ ورَبِيْعَةُ ومالكٌ والَّليْثُ والأوزاعيُّ والثَّوْرِيُّ(9) وأبو حنيفةَ وأبو ثَوْرٍ، وقال زُفَرٌ والشَّافعيُّ: لا يجوز له أنْ يتزوَّجها إلَّا بالسُّلطان، أو يزوِّجها منه وليٌّ لها هو أقعد بها منه أو مثله في القعد، واحتجُّوا بأنَّ(10) الولاية مِنْ شرطِ العقد، وكما(11) لا يكونُ الشَّاهدُ ناكحًا ولا منكحًا، كذلك لا يكون النَّاكحُ منكحًا.
          وفيهِ(12) قولٌ ثالثٌ: وهو أنْ يجعلَ أمرَها إلى مَنْ(13) يزوِّجها منه، ورُوِيَ(14) هذا عن المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وبه قال أحمدُ بنُ حنبلٍ ذكره ابنُ المُنْذِرِ، واحتجَّ الطَّحَاوِيُّ للقولِ الأوَّلِ، فقال: لا يختلفون أنَّه يجوز أنْ يهبَ لِمَنْ له ولايةٌ عليها(15)، ويكونُ هو العاقِدُ والقابضُ، وكذلك(16) النِّكاحُ، أَلَا ترى أنَّ النَّبِيَّ صلعم زَوَّجَ المرأة مِنَ الرَّجلِ بما معه مِنَ القرآنِ، فكذلك كانَ(17) له أنْ يزوِّجها مِنْ نفسه لو قبلها، كما فعلَ في خبرِ صَفِيَّةَ حينَ جعلَ عتْقَها صَدَاقَها. قالَ ابنُ المُنْذِرِ: وكذلكَ فعلَ في أمرِ جُوَيْرِيَّةَ(18)، قضى كتابتَها وتزوَّجها كما فعلَ في حديثِ صَفَيَّةَ سواءً.
          قالَ المؤلِّفُ: ومِنَ الحجَّةِ لهذا القولِ أيضًا حديثُ عائشةَ في الرَّجل تكون عنده اليتيمةُ فيرغبُ عن أن يتزوَّجها، فنهاهم اللهُ عن عضلهنَّ ومنعهنَّ مِنَ التَّزويجِ مِنْ أجلِ أنَّهم لا يقسطون في صدقاتهنَّ، وجعَل لهم أنْ ينكحوهُنَّ مِنْ أنفسِهم(19) إذا عدلوا في صدقاتهنَّ، وقد تقدَّم البيانُ عنْ هذهِ المسألةِ في حديثِ صَفِيَّةَ في بابِ مَنْ أعتقَ جاريةً(20) وتزوَّجَها [خ¦5086]، وأمَّا فعلُ المُغِيْرَةِ فهو مِنْ بابِ الأدبِ في النِّكاحِ أنْ(21) يأمر الوليُّ رجلًا يعقدُ نكاحه مع وليِّته، ولو تولَّى هو عقده إذا رضيت به لكانَ حسنًا.


[1] في (ز): ((فقالت)).
[2] في (ز): ((فقال قد تزوَّجتك)).
[3] قوله: ((قد)) ليس في (ز).
[4] في (ص): ((قال)).
[5] في (ز): ((مالها)).
[6] قوله: ((إلى)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((قال)).
[8] في (ز): ((ويعقد)).
[9] قوله: ((والثَّوريُّ)) ليس في (ز).
[10] في (ز): ((أنَّ)).
[11] في (ز): ((وكما)).
[12] في (ز): ((وفيها)).
[13] في (ز): ((رجل)).
[14] في (ز): ((روي)).
[15] في (ز): ((عليه)).
[16] في (ز): ((فكذلك)).
[17] قوله: ((كان)) ليس في (ص).
[18] زاد في (ز): ((بنت الحارث)).
[19] في (ص): ((أنفسهنَّ)).
[20] في (ز): ((جاريته)).
[21] في (ص): ((أو)).