شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كفران العشير

          ░88▒ بَاب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ.
          وَهُوَ الزَّوْجُ، وَهُوَ الْخَلِيطُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ.
          فِيهِ: عَنْ أبي سَعِيدٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم.
          وفيه ابْنُ عَبَّاسٍ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ على عَهْدِ النَّبيِّ صلعم، فَصَلَّى وَالنَّاسُ مَعَهُ.... وذكر الحديث، إلى قوله: (ورَأَيْتُ(1) النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ)، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (بِكُفْرِهِنَّ)، قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إلى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ). [خ¦5197]
          وفيه: عِمْرَانُ(2): عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (اطَّلَعْتُ في الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ). [خ¦5198]
          قال المُهَلَّب: إنَّما استحقَّ النساء النار بكفرانهنَّ العشير من أجل أنهنَّ يكثرن ذلك الدهر كلَّه، ألا ترى أنَّ النبيَّ صلعم قد فسَّره، فقال: (لَوْ أَحْسَنْتَ إلى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ(3))، لجازت ذلك بالكفران الدهر كلَّه، فغلب استيلاء الكفران على دهرها، فكأنَّها مصرَّةٌ أبدًا على الكفر، والإصرار من أكبر أسباب النار.
          وفي هذا الحديث تعظيم حقِّ الزوج على المرأة، وأنَّه يجب عليها شكره والاعتراف بفضله؛ لستره لها وصيانتها(4) وقيامه بمؤنتها وبذله نفسه في ذلك، ومن أجل هذا فضَّل الله الرجال على النساء في غير موضعٍ من كتابه، فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ(5)}[النساء:34]، وقال تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228]، وقد أمر ◙ من أُسدِيَت إليه نعمةٌ أن يشكرها، فكيف نعم الزوج التي لا تنفكُّ المرأة منها دهرها كلَّه؟!
          وقد قال بعض العلماء: شكر الإنعام فرضٌ، واحتجَّ بقوله ◙: ((من أُسدِيَت إليه نعمةٌ فليشكرها))، وبقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}[لقمان:14]، فقرَن تعالى بشكره شكر الآباء، قال: فكذلك شكر غيرهم واجبٌ، وقد يكون شكر النعمة في نشرها، ويكون في أقلَّ من ذلك، فيجزئ فيه الإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة.
          وفيه: أنَّ الكسوف والزلازل والآيات الحادثة إنَّما هي كما قال الله ╡: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}[الإسراء:59]، وأمرهم ◙ عند رؤية آيات الله ╡ بالفزع إلى الصلاة، فدلَّ أنَّ الصلاة تصرف النقم، وبها يُعتَصم من المحن، إذ هي أفضل الأعمال.


[1] في (ص): ((رأيت)).
[2] زاد في (ص): ((بن حصين)).
[3] قوله: ((الدهر)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((وصيانته)).
[5] في (ص): (({بِمَا فَضَّلَ..} الآية)).