شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائه

          ░119▒ بَاب قَوْلِ الرَّجُلِ لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ على نِسَائِي.
          فيه أَبُو هُرَيْرَةَ: (قال سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ ◙: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلامًا، يُقَاتِلُ في سَبِيلِ(1) اللهِ ╡، قَالَ(2) لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ، فَأَطَافَ(3) بِهِنَّ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ). [خ¦5242]
          قد تقدَّم معنى هذا الباب في باب من طاف على نسائه في غسلٍ واحدٍ، [خ¦5215] وأنَّه لا يجوز أن يجمع الرجل جماعه زوجاته، ولا يطوف عليهنَّ كلهنَّ في ليلةٍ إلَّا إذا ابتدأ(4) القسم بينهنَّ، أو إذا أذنَّ له في ذلك، أو إذا قدم من سفره، ولعلَّه لم يكن(5) في شريعة سليمان بن داود ♂ من فرض القسمة بين النساء والعدل بينهنَّ ما أخذه الله تعالى على أمَّة محمَّدٍ صلعم.
          قال المُهَلَّب: وقوله ◙: (لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ)، يعني: لم يخب ولا عوقب بالحرمان حين لم يستثن مشيئة الله ويجعل(6) الأمر له، وليس في الحديث يمينٌ فيحنث(7) فيها، وإنَّما أراد أنَّه لمَّا جعل لنفسه القوَّة والفضل عاقبه الله تعالى بالحرمان، فكان الحنث بمعنى التخييب.
          وكذلك من نذر لله طاعةً إن(8) دخل في شيء منها وجب عليه الوفاء بذلك؛ لقوله تعالى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة:1]، وقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}[الحديد:27]، فكان مطالبًا بما تألَّى فيه(9)، فكأنَّه ضربٌ من الحنث؛ لأنَّه تألَّى فلم يفِ.
          وقد احتجَّ بعض الفقهاء بهذا الحديث، فقال: إنَّ الاستثناء بعد السكوت عن اليمين جائزٌ، بخلاف قول مالكٍ، واحتجُّوا بقوله: (لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ)، وليس كما توهَّموه؛ لأنَّ هذه لم تكن يمينًا، وإنَّما كان قولًا جعل الأمر فيه لنفسه ولم تجب عليه فيه كفَّارةٌ، فسقط عنه الاستثناء، وإنَّما هذا الحديث مثل قوله ╡ لنبيِّه ◙(10): {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاء اللهُ}[الكهف:23-24]، أدبًا أدَّب الله تعالى به عباده ليردُّوا الأمر إليه، ويتبرَّؤوا من الحول والقوَّة لله ╡، ودلَّ هذا المعنى على صحَّة قول أهل السنَّة أنَّ أفعال العباد للشرِّ والخير(11) خلقٌ لله، وسيأتي الكلام في ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله(12)، فهو موضعه. [خ¦7464] الى [خ¦7480]


[1] قوله: ((سبيل)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((فقال)).
[3] في (ص): ((فطاف)).
[4] في (ص): ((إلا إذا لم يبدأ)).
[5] في (ص): ((ولعله أن تكون)).
[6] في (ص): ((ولم يجعل)).
[7] في (ص): ((فحنث)).
[8] في (ص): ((أو)).
[9] في (ص): ((به)).
[10] قوله: ((لنبيه ◙)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((من الخير والشر)).
[12] قوله: ((إن شاء الله)) ليس في (ص).