شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن}

          ░25▒ بَابُ قَوْلِهِ تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}[النِّساء:23]
          قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: الدُّخُولُ وَالمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الجِمَاعُ، وَمَنْ قَالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا هنَّ بَنَاتِهِ في التَّحْرِيمِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم لأمِّ حَبِيبَةَ: لا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ(1)، وَكَذَلِكَ حَلائِلُ وَلَدِ الأبْنَاءِ هُنَّ حَلائِلُ الأبْنَاءِ، وَهَلْ تُسَمَّى: الرَّبِيبَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ في حَجْرِهِ، وَدَفَعَ النَّبِيُّ رَبِيبَةً(2) لَهُ إلى مَنْ يَكْفُلُهَا، وَسَمَّى النَّبِيُّ صلعم ابنَ ابْنَتِهِ ابْنًا.
          وفيهِ(3) أُمُّ حَبِيبَةَ قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ في بِنْتِ(4) أبي سُفْيَانَ أُخْتِي(5) قَالَ: فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ قُلْتُ: تَنْكِحُ، قَالَ: أَتُحِبِّينَ؟ قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي في خَيْرٍ أختي(6)، قَالَ: إِنَّهَا لا تَحِلُّ لي، قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ، قَالَ(7): ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ(8)، قَالَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي في حَجْرِي مَا حَلَّتْ لي، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ(9)). [خ¦5106]
          اختلف العلماء في معنى الدُّخول بالأمَّهات الَّذي به يقعُ به(10) تحريمُ نكاح الرَّبائب، فرُوي عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: الدُّخول: الجماع، وهو قول طاوسٍ، ولم يقلْ بهذا أحدٌ مِنَ الفقهاء، واتَّفق الفقهاء أنَّه إذا لمسها لشهوةٍ(11) حرِّمت عليه أمُّها وابنتها، ثُمَّ اختلفوا في النَّظر، فقال مالكٌ: إذا نظرَ إلى شعرها أو صدرها أو شيءٍ مِنْ محاسنها بلذَّةٍ، حرِّمت عليه أمُّها وابنتُها.
          وقال الكوفيُّون: إذا نظر إلى فرجِها للشَّهوة(12) كان(13) بمنزلة اللَّمس للشَّهوة، وقال ابن أبي ليلى: لا تحرم بالنَّظر حتَّى يلمس، وهو قول الشَّافعيِّ، وقد رُوِيَ التَّحريم بالنَّظر عن مسروقٍ، والتَّحريم باللَّمس(14) عن النَّخَعِيِّ والقَاسِمِ ومُجَاهِدٍ، وأجمع الفقهاء على أنَّ الرَّبيبةَ تحرم على زوج أمِّها إذا دخل بالأمِّ، وإن لم تكن الرَّبيبة في حجره.
          وشذَّ أهل الظَّاهر عن جماعة الفقهاء، وقالوا: لا تحرم عليه الرَّبيبة إلَّا أنْ تكونَ في حجره، واحتجُّوا / بقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}(15)[النِّساء:23]، قالوا: تحريم(16) الرَّبيبة بشرطين: أحدهما: أنْ تكون في حجره، والآخرى(17): أن تكون أمُّها قد دخل بها، فإذا عدم أحد الشَّرطين، لم يوجد التَّحريم، قالوا: لأنَّ الزَّوج إنَّما جعلَ محرمًا لها مِنْ أجل ما يلحق مِنَ المشقَّة في استتارها عنه، وهذا المعنى لا يوجد إلَّا إذا كانت في حجره.
          واحتجُّوا بقوله ◙: (لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي)، فشرط الحجر، ورووا عن عليٍّ بن أبي طالبٍ ☺ إجازة ذلك، قال(18) ابنُ المُنْذِرِ والطَّحَاوِيِّ: فأمَّا الحديث عن عليٍّ، فلا يثبت لأنَّ راويه إبراهيمُ، عن عُبِيْدٍ عن مالكِ بنِ أَوْسٍ عن عليٍّ، وإبراهيمُ هذا لا يُعرف، وأكثر أهل العلم قد تلقَّوه بالدَّفع والخلاف واحتجُّوا(19) في دفعه بقوله ◙: (فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ)، فدلَّ ذلك على انتفائه(20)، قال أبو عُبَيْدٍ: ويدفعه قوله: (لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ(21)) فعمَّهنَّ، ولم يقل: اللَّاتي في حجري، ولكنَّه سوَّى بينهنَّ في التَّحريم.
          قال المُهَلَّبُ: وإضافته ◙ إيَّاهنَّ إلى الحجور، إنَّما هو على الأغلب ِمِمَّا تكون عليه الرَّبائب لا أنَّهنَّ لا يحرمن إذا لم يكن كذلك، وقوله(22) تعالى لنبيِّه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}[الأحزاب:50]، وإنَّما أحَّلهُنَّ له بعقد نكاحهنَّ عليه لا بإتيانه إيَّاهنَّ أجورهنَّ؛ لأنَّه معقولٌ فيهنَّ أنَّه لو طلَّقهنَّ بعد عقدة نكاحهنَّ ولم يؤتهنَّ أجورهنَّ أنَّ الطَّلاقَ واقعٌ عليهنَّ، كما قال: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة:236]، فأثبت الله نكاحهنَّ، وإن كنَّ لم يؤتهنَّ أجورهنَّ، فعلمنا بذلك أنَّ أزواج النَّبِيِّ إنَّما حللنَ له بعقدِ النِّكاح وإتيان الأجور، وعقلنا بذلك أنَّ قوله تعالى: {اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}[الأحزاب:50]، إنَّما هو على وصف الأغلب مِمَّا تكون عليه الزَّوجات.
          وكذلك قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم}[النِّساء:23]، إنَّما هو على التَّحريم بالسَّبب الَّذي كنَّ به ربائب، ووصفهنَّ بالإضافة إلى الحجور لأنّه الأغلب مِمَّا تكون عليه الرَّبائب مع أزواج أمَّهاتهنَّ، قال: والقياس يوجب هذا لأنَّه لا يكون التَّحريم بشيئين إلَّا ولكلِّ واحدٍ منهما إذا انفردَ حكمٌ، فلذلك جعلنا التَّحريم في الرَّبائب بالسَّبب الَّذي صرنَ به ربائب لا بما سواه(23).
          قال ابن القَصَّارِ: وحجَّة الجماعة أنَّه لا تأثير للحجر في التَّحريم ولا في الإباحة، بدليل أنَّ الأخت والعمَّة والخالة لمَّا حُرِّمْنَ عليه لم يفترقِ الحكم بين أنْ يكونوا(24) في حجره أم لا، ولو كان الحجر شرطًا في التَّحريم لوجب إذا ارتفع أنْ يرتفع التَّحريم، فلمَّا رأينا التَّحريم قائمًا، وقد زال الحجر بموت أمِّها أو طلاقها، علمنا أنْ لا اعتبار بالحَجْرِ، ألا ترى أنَّ بنت أمِّ سَلَمَةَ لم تكن في حجره ◙ ولا رُبِّيَت فيه قبل(25) نكاحه بأمِّ سَلَمَةَ.
          ويشهد لهذا(26) أنَّه لو وطِئ الأمَّ بملك اليمين لحرمت عليه البنت، سواءٌ كانت في حجره أم لا، وكلُّ امرأةٍ حرمت عليك فابنتها حرامٌ عليك إلَّا أربعًا: بنت العمَّة وبنت الخالة وبنت حليلة الابن وبنت حليلة الأب.


[1] قوله: ((ولا أخواتكنَّ)) ليس في (ص).
[2] في (ز) صورتها: ((وبنته)).
[3] في (ز): ((فيه)).
[4] في (ص): ((ابنة)).
[5] قوله: ((أختي)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((قَالَ: فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ قُلْتُ: تَنْكِحُ، قَالَ: أَتُحِبِّينَ؟ قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي في خَيْرٍ أختي)) ليس في (ز).
[7] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((قلت نعم)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((وأخواتكنَّ)).
[10] قوله: ((به)) ليس في (ز).
[11] في المطبوع: ((بشهوة)).
[12] في (ز): ((بشهوة)).
[13] في (ز): ((كانت)).
[14] في (ز): ((في اللَّمس)).
[15] في (ص): (({في حجوركم...} الآية)).
[16] في (ز): ((فحرم)).
[17] في (ز): ((والآخر)).
[18] في (ص): ((وقال)).
[19] في (ز): ((قال ابن المنذر: وقد دفع بعضهم هذا الحديث، وقال: لا يثبت واحتجَّوا)).
[20] قوله: ((فدلَّ ذلك على انتفائه)) ليس في (ز).
[21] في (ز): ((وقال أبو عبيد: أفلا تراه صلعم نهى أزواجه أن يعرضن عليه بناتهنَّ)).
[22] في (ص): ((قوله)).
[23] قوله: ((قال المُهَلَّبُ)) إلى قوله ((ربائب لا بما سواه)) ليس في (ز).
[24] في (ز): ((تكون)).
[25] في (ص): ((بل)).
[26] في (ز): ((لما قلناه)).