شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يحل من النساء وما يحرم

          ░24▒ بَابُ مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ
          وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}الآيةَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآيةَ(1).
          وقَالَ(2) أَنَسٌ: المُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ: ذَوَاتُ الأزْوَاجِ الحَرَائِرُ حَرَامٌ إِلَّا(3) مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لا نَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْتَزِعَ(4) الرَّجُلُ أَمَتَهُ(5) مِنْ عَبْدِهِ، وَقَالَ: {وَلَا(6) تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة:221].
          قَالَ(7) ابنُ عَبَّاسٍ: مَا زَادَ(8) على أَرْبَعٍ، فَهُوَ حَرَامٌ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ.
          وفيهِ(9) ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ، وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء:23]الآية(10). [خ¦5105]
          وَجَمَعَ الحَسَنُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ بَيْنَ ابْنَتَيْ(11) عَمٍّ في لَيْلَةٍ، وَجَمَعَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ بِنْتِ عَلَيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابنُ سِيرِينَ: لا بَأْسَ بِهِ.
          وَكَرِهَهُ الحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ جَابِرُ(12) بنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَة، ولَيْسَ(13) فِيهِ تَحْرِيمٌ، لِقَوْلِهِ تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء:24]. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِهَا لَمْ(14) تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَيُذْكَرُ عَنْ أبي نَصْرٍ، أَنَّ ابنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ، وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ سَمَاعُهُ عن(15) ابنِ عَبَّاسٍ، وَيُروَى عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالحَسَنِ وَبَعْضِ أَهْلِ العِرَاقِ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ.
          وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لا تَحْرُمُ حَتَّى يُلْزِقَ(16) بِالأرْضِ _يعني تُجَامِعَ_ وَجَوَّزَهُ ابنُ المُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ والزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: لا تَحْرُمُ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَيُروى عَنْ يَحْيَى الكِنْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وأبي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ: إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ، وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ(17).
          قال المؤلِّف: الرِّواية ثابتةٌ عن ابن عبَّاسٍ أنَّ السَّبع المحرَّمات بالنَّسب(18) الأمَّهات،
          والبنات والأخوات والعمَّات والخالات وبنات الأخ / وبنات الأخت، والسَّبع المحرَّمات بالصّهر والرَّضاع(19) الأمَّهات مِنَ الرَّضاعة والأخوات مِنَ الرَّضاعة وأمَّهات النِّساء والرَّبائب وحلائل الأبناء، والجمع بين الأختين والسَّابعة: {وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاء}[النِّساء:22].
          قال الطَّحَاوِيُّ: وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النِّساء:23]، المراد به(20) الوالدات ومَنْ فوقهُنَّ مِنَ الجدَّات(21) مِنْ قِبَلِ الأمَّهات ومِنْ قِبَلِ الآباء، وقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ}[النِّساء:23]المراد البنات للأصلاب ومَنْ أسفلَ منهنَّ مِنْ بنات الأبناء، ومِنْ بنات البنات وإنْ سفلنَ، وقوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ}[النِّساء:23]، المراد بذلك الأخوات مِنَ الآباء والأمَّهات، ومِنَ الآباء ومِنَ الأمَّهات، وقوله تعالى: {وَعَمَّاتُكُمْ}[النِّساء:23]، المراد به العمَّات أخوات الآباء مِنَ الآباء والأمَّهات ومِنَ الآباء والأمَّهات(22)، وكذلك أخوات الأجداد مِنْ كلِّ واحدةٍ مِنَ الجهات الثَّلاث وإنْ علونَ، {وَخَالاَتُكُمْ}[النِّساء:23]، المراد بذلك أخوات الأمَّهات الوالدات لآبائهنَّ وأمهاتهنَّ، ولآبائهنَّ ولأمهاتهنَّ، أخوات(23) الجدَّات كأخوات الأمَّهات في الحرمات؛ لأنَّه إذا كان لهنَّ حكم الأمَّهات كان أيضًا لأخواتهنَّ حكم أخوات الأمَّهات.
          {وَبَنَاتُ الأَخِ}[النِّساء:23]، المراد بذلك بنات الأخ مِنَ الأب والأمِّ ومِنَ الأب ومِنَ الأمِّ ومِنَ الأمِّ(24) وبنات بنيهم، وبنات بناتهنَّ وإنْ سفلنَ، {وَبَنَاتُ الأُخْتِ}[النِّساء:23]، كذلك أيضًا مِنْ أيِّ جهةٍ كُنَّ وأولادهنَّ(25) وأولاد أولادهنَّ وإنْ(26) سفلْنَ.
          وقوله يعني(27): {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}[النِّساء:23]، فكان هذا على الأمِّ المرضعة وعلى مَنْ فوقها مِنْ أمَّهاتها وإن بَعُدْنَ، وقام ذلك مقامَ الأمِّ(28) الوالدة ومقام أمَّهاتها، وكذلك حكم الأخوات مِنَ الرَّضاعة حكم الَّلواتي مِنَ النَّسبِ، وتحرم زوجة الرَّجل على أبيه وعلى ابنه(29) دخلَ بها أو لم يدخلْ، وعلى أجداده وعلى ولد ولده الذُّكور والإناث، ولا تحلُّ لبني بنيه ولا لبني بناته ما تناسلوا لقوله تعالى: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}[النِّساء:23]، ولقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاءِ}[النِّساء:22]، ولم يذكر تعالى دخولًا، فصارتا محرَّمتين بالعقد، والملك والرَّضاع في ذلك بمنزلةِ النَّسب، والمراد بقوله: {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم}، آباء(30) الآباء، وآباء الأمَّهات ومَنْ فوقهُنَّ(31) مِنَ الأجداد، وكلُّ هذا مِنَ المحكم(32) المتَّفق على تأويله، وغير جائزٍ نكاح واحدةٍ منهنَّ بإجماعٍ إلَّا أمَّهات النِّساء الَّلواتي لم يدخل بهنَّ أزواجهنَّ، فإنَّ بعض السَّلف اختلفوا إذا بانت الابنة قبلَ الدُّخول بها هل تحرُم أمُّها أم لا، فذهبَ جمهورُ السَّلفِ إلى أنَّ الأمَّ تحرُم بالعقدِ على الابنةِ ولا تحرُم الابنة إلَّا بالدُّخول بالأمِّ، وبهذا قال جميعُ أئمَّة الفتوى بالأمصار.
          وقالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ: الأمُّ والرَّبيبةُ سواءٌ لا تحرم منهما واحدةٌ إلَّا بالدُّخول بالأخرى، وتأوَّلوا القرآن على غير تأويله، فقالوا: المعنى وأمَّهات نسائكم الَّلاتي دخلتُم بهنَّ وربائبكم الَّلاتي في حجوركم مِنْ نسائكم الَّلاتي دخلتم بهنَّ، وزعموا أنَّ شرط الدُّخول راجعٌ إلى الأمَّهات والرَّبائب جميعًا، روى هذا القول خِلَاسٌ عن عليٍّ بنِ أبي طالبٍ ☺، وروايةٌ عن ابن عبَّاسٍ وزيدِ بنِ ثابتٍ، وهو قول ابن الزُّبَيْرِ، ومُجَاهِدٍ(33) لم يختلفْ عنهما.
          وهذا قولٌ لم يقلْ به أحد مِنْ أئمَّة الفتوى، وحديث خِلَاسٍ عن عليٍّ لا تقومُ به حُجَّةٌ لأنَّه لا يُصَحِّح روايته(34) أهل العلم بالحديث، والصَّحيح عن ابن عبَّاسٍ مثل قول الجماعة، روى سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ عن عِكْرِمَةَ عن ابن عبَّاسٍ في قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ}[النِّساء:23]، قال: هي مبهمةٌ لا تحلُّ بالعقد على الابنة، وكذلك روى مالكٌ عن يحيى بنِ سَعِيدٍ، أنَّه قال: سُئِلَ زَيْدُ بنُ ثابتٍ عن رجلٍ تزوَّج امرأةً ثُمَّ فارقها قبل أنْ يُصِيبَها، هل تحلُّ له أمُّها؟ فقال زَيْدُ بنُ ثابتٍ: لا، الأمُّ مبهمةٌ، وإنَّما الشَّرط في الرَّبائب، وهذا الصَّحيح عن زَيْدِ بنِ ثابتٍ.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وهذا هو الصَّحيح، لدخولِ جميع الأمَّهات النِّساء في قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ}[النِّساء:23]، وحجَّة أهلِ هذه المقالة أنَّ(35) الاستثناء راجعٌ إلى الرَّبائب؛ لأنهنَّ أقرب مذكورٍ، ولا يرجع إلى أمَّهات النِّساء، والدَّليل على ذلك مِنْ طريق العربيَّة مِنْ وجهين: / أحدهما: أنَّ العرب تحمل الوصف على أقرب الموصوفين دون أن تحمله على أبعدهما وأن(36) تشرك بينهما فيه، فتقول: هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ، وهو لحنٌ لأنَّ الضَّبَّ ليس بالخربِ، وإنَّما هو الجحر قصد إلى جري الكلام على طريقةٍ واحدةٍ.
          والثَّاني: أنَّ الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدًا، لا يجيز النَّحويُّون: مررت بنسائك، وهربت مِنَ نساء زَيْدٍ الظَّريفات، على أنْ تكون الظَّريفات نعتًا لنسائك ونساء زَيْدٍ.
          واختلف أهل التَّأويل في قوله تعالى: {وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء}[النِّساء:24]، فقالت طائفةٌ: المحصنات في هذه الآية كلُّ أَمَةٍ ذات زوجٍ مِنَ المسلمين والمشركين حرامٌ على غير أزواجهنَّ، إلَّا أنْ تكون مملوكةُ اشتراها مشترٍ مِنْ مولاها فتحلُّ له ويبطل بيع سيِّدها إيَّاها النِّكاح بينها وبين زوجها، رُوِيَ هذا القول عن ابنِ مَسْعُودٍ وأُبيِّ بنِ كَعْبٍ وجابرٍ وأَنَسٍ، وقالوا: بيع الأَمَةِ طلاقٌ لها، وهو قول النَّخَعِيِّ وابن المُسَيَّبِ والحَسَنِ.
          وقالت طائفةٌ: المحصنات في هذه الآية ذوات(37) الأزواج المسبيَّات(38) منهنَّ بملك اليمين هنَّ السَّبايا الَّلواتي فرَّق بينهنَّ وبين أزواجهنَّ السَّبي، فحللن لمِنْ(39) صرن له بملك اليمين مِنْ غير طلاقٍ كان(40) مِنْ زوجها(41) لها، رُوِيَ هذا عن ابن عبَّاسٍ، قال: كلُّ ذات زوجٍ إتيانها زنًا إلَّا ما سُبيت، وهو قول زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ ومَكْحُولٍ.
          وقالوا: إنَّ هذه الآية نزلت في سبي أوطاسٍ، وقالوا: ليس بيع الأَمَة طلاقها، وإنَّ الآية نزلت في النِّساء(42) خاصَّةً، وبهذا قال مالكٌ والكوفيُّون والشَّافعيُّ(43) وأحمدُ وإِسْحَاقُ وأبو ثَوْرٍ، واحتجُّوا بحديث بَرِيرَةَ، قالوا: ولو كان بيع الأَمَة طلاقها(44) ما خُيِّرت.
          قال الطَّحَاوِيُّ: والقياس يوجب فسادُ قول مَنْ جعل بيع الأَمَة طلاقها؛ لأنَّه لا فعل للزَّوج في ذلك ولا سبب له، والطَّلاق لا يقع إلَّا مِنَ الأزواجِ.
          وقال آخرون: بل(45) المحصنات في الآية وإن كنَّ ذوات الأزواج، فإنَّه تدخل في ذلك محصنةٌ عفيفةٌ ذات زوجٍ وغير ذات زوجٍ،(46) مسلمةٌ أو كتابيَّةٌ في أنَّ الله حرَّم الزِّنا بهنَّ(47) وأباحهنَّ بالنِّكاح أو الملك، رُوِيَ هذا عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ ومُجَاهِدٍ، وهو معنى قول ابنِ المُسَيَّبِ، ويرجع ذلك إلى أنَّ الله تعالى حرَّم الزِّنا، ومعنى الآية عندهم: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النِّساء:24]، يعني تملكون عصمتهنَّ بالنِّكاح، وتملكون الرَّقبة بالشِّراء.
          وأمَّا قوله: وجمع عبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ بين بنت عليٍّ وامرأة عليٍّ، فإنَّما فعل ذلك لأنَّ الابنةَ كانت مِنْ غير تلك المرأة، وهذا جائزٌ عند مالكٍ والثَّوْرِيِّ وأبي حنيفةَ والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ وأبي ثَوْرٍ؛ لأنَّه إنَّما حرَّم على الرَّجل أنْ يتزوَّج المرأة وابنتها، وليس بحرامٍ عليه أنْ يتزوَّج المرأةَ وربيبتها، لا في كتاب الله ولا في سُنَّة رسول الله ◙، بل هما داخلتان في جملة(48) قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النِّساء:24]، وفي قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ}[النِّساء:3]. قال(49) ابنُ أبي ليلى: لا يجوز هذا النِّكاح، وكرهه الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وقد ثبت رجوع الحَسَنِ عنه، وحجَّة الَّذين كرهوه ولم يجيزوه ما أصَّله العلماء في معنى الجمع بين المرأة وعمَّتها(50) وخالتها.
          قال(51) الشَّعْبِيُّ: انظر فكلِّ(52) امرأتين لو كانت إحداهما رجلًا لم يجزْ له نكاح الأخرى، فلا يجوز الجمع بينهما، قيل له: عمَّنْ؟ قال: عن أصحاب مُحَمَّدٍ صلعم.
          وقال الثَّوْرِيُّ: تفسير هذا أن يكونَ مِنَ النَّسب وليس بين امرأة الرَّجل وابنته مِنْ غيرها نسبٌ يجمعهما، فلذلك يجوز الجمع بينهما، فعلى(53) هذا التَّفسير جماعة الفقهاء، وكذلك أجاز أكثر(54) العلماء أنْ تُنكَحَ المرأة وتُنكَحَ ابنة ابنتها مِنْ غيره، وكره ذلك طَاوُسٌ ومُجَاهِدٌ.
          وأمَّا الجمع بين ابنتي العمِّ، فكرهه مالكٌ، وليس بحرامٍ عنده، وهو(55) قول عَطَاءٍ وجَابِرِ بنِ زَيْدٍ، وقالا(56): إنَّما كُرِهَ ذلك للقطيعة وفساد ما بينهما، ورخَّص فيه أكثر العلماء، قال ابنُ المُنْذِرِ: ولا أعلم أحدًا أبطل هذا النِّكاح وهما داخلتان / في جملة ما أُبيح بالنِّكاح غير خارجتين منه بكتابٍ ولا سُنَّةٍ ولا إجماعٍ، وكذلك معنى الجمع بين ابنتي عمٍّ وعمَّةٍ، أو بين ابنتي خالٍ وخالةٍ(57).
          وقول ابنِ عبَّاسٍ: إذا زنى بأختِ امرأته لم تحرم عليه امرأته، فهو قول أكثر العلماء، وإنَّما حرَّم الله الجمع بين الأختين بالنِّكاح خاصَّة لا(58) بالزِّنا، ألا ترى أنَّه يجوز نكاح واحدةٍ بعد أخرى مِنَ الأختين، ولا يجوز ذلك في المرأة وابنتها(59).
          واختلفوا إذا زنى بالأمِّ، هل تحرم عليه الابنة أو إذا زنى بالابنة هل تحرم عليه الأمُّ؟ فقال الكوفيُّون والثَّوْرِيُّ والأوزاعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ: إذا زنى بامرأةٍ حرمت عليه أمُّها وابنتها، وهذه رواية ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ(60) في «المدوَّنة»، وقالوا: الحرام يُحَرِّم الحلال.
          وقالت طائفةٌ: لا يُحَرِّم الحرام الحلال، رُوِيَ ذلك عن ابن عبَّاسٍ وسَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وعُرْوَةَ ورَبِيْعَةَ والَّليْثِ، وهو قول مالكٍ في «الموطَّأ»، وبه قَالَ الشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ، وحجَّة هذا القول أنَّه لمَّا ارتفع الصَّداق في الزِّنا ووجوب العدَّة والميراث ولحوق الولد ووجوب الحدِّ ارتفع أنْ يحكم له بحكمِ النِّكاح الجائز، ورخَّص أكثر العلماء في تزويج المرأة الَّتي زنى بها، وشبَّه ابنُ عبَّاسٍ ذلك برجلٍ يسرق ثمر النَّخلة فيأكلها ثُمَّ يشتريها، وكره ذلك ابنُ مَسْعُودٍ وعَائِشَةُ والبَرَاءُ، وقالوا: لا يزالان زانيين ما اجتمعا.
          وأمَّا تحريم النِّكاح باللِّواط، فإنَّ أصحاب مالكٍ وأبي حنيفةَ والشَّافعيِّ وغيرهم لا يحرِّمون النِّكاح باللِّواط، وقال الثَّوريُّ: إذا لعب بالصَّبيِّ حرمت عليه أمُّه، وهو قول أحمدَ بنِ حنبلٍ، قال: إذا تلوَّط بابن امرأته، أو أبيها، أو أخيها، حرمت عليه امرأته، وقال الأوزاعيُّ: إذا لاطَ غلامٌ بغلامٍ وولد للمفجور به بنتٌ لم يجزْ(61) للفاجر أنْ يتزوَّجها؛ لأنَّها بنتُ مَنْ قد دَخَلَ هو به، وهو قول أحمدَ بنِ حنبلٍ.


[1] في (ز): ((وَقَوْلِ الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النِّساء: 23] الآية)).
[2] في (ز): ((قال)).
[3] في (ص): ((لأنَّ)).
[4] في المطبوع: ((يَنْزِعَ))، وفي (ز): ((يتزوَّج)).
[5] في (ز): ((جاريته)).
[6] في (ز): ((لا)).
[7] في (ز): ((وقال)).
[8] زاد في (ز): ((من النِّساء)).
[9] في (ز): ((فيه)).
[10] في (ز): ((عليكم أمَّهاتكم وبناتكم)).
[11] العبارة في (ز): ((وَجَمَعَ عَبْدُاللهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ بنت علي وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لا بَأْسَ بِهِ. وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ الحسن بن علي بن الحسن ابنتي عَمٍّ في لَيْلَةٍ وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَة)).
[12] في (ز): ((خالد)).
[13] في (ز): ((وقال ليس)).
[14] في (ز): ((لا)).
[15] في (ز): ((من)).
[16] في (ص): ((تلزق)).
[17] العبارة في (ز): ((وَيُروى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ، عَنِ الشَّعبي وأبي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ: إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ، وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ. وَيُروى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَجَابِرِ ابْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لا تَحْرُمُ حتى يُلْزِقَ بِالأرْضِ _يعني تُجَامِعَ_ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ والزهري، وَقَالَ الزهري: قَالَ عَلِيٌّ: لا تَحْرُمُ، وَهَذَا مُرْسَلٌ)).
[18] في (ز): ((النَّسب)).
[19] قوله: ((والرَّضاع)) ليس في (ز).
[20] زاد في (ز): ((الأمَّهات)).
[21] صورتها في (ز): ((الجراب)).
[22] في (ز): ((ومِنَ الأمَّهات)).
[23] في (ز): ((وأخوات)).
[24] في (ز): ((ومِنَ الأمِّ)) لم يتكرر.
[25] قوله: ((وأولادهُنَّ)) ليس في (ص).
[26] في (ز): ((ما)).
[27] قوله: ((يعني)) ليس في (ز).
[28] قوله: ((الأمِّ)) ليس في (ص).
[29] في (ز): ((الرَّجل على ابنه)).
[30] في (ز): ((فآباء)).
[31] في (ز): ((فوقهم)).
[32] في (ص): ((الحكم)).
[33] قوله: ((ومجاهد)) ليس في (ص).
[34] في (ص): ((لا تصِحُّ رواية)).
[35] في (ص): ((وأمَّهات نسائكم... وأيضًا فإن)).
[36] في (ز): ((أو أن)).
[37] في (ص): ((ضرَّات)).
[38] في (ز): ((والمستثنيات)).
[39] في (ص): ((بما)).
[40] في (ز): ((وكان)).
[41] زاد في المطبوع: ((الحرِّ))، زاد في (ز): ((الحربيِّ)).
[42] في (ز): ((السَّبايا)).
[43] قوله: ((والشَّافعيُّ)) ليس في (ص).
[44] في (ز): ((طلاقًا لها)).
[45] قوله: ((بل)) ليس في (ز).
[46] قوله: ((وغير ذات زوجٍ)) ليس في (ص).
[47] قوله: ((بهنَّ)) ليس في (ص).
[48] في (ص): ((جملة)) غير واضحة.
[49] في (ز): ((وقال)).
[50] زاد في (ز): ((والمرأة)).
[51] في (ز): ((قال)).
[52] في (ز): ((كلِّ)).
[53] في (ز): ((وعلى)).
[54] في (ز): ((أحد)).
[55] في (ز): ((وهذا)).
[56] في المطبوع: ((قالا)).
[57] في (ص): ((الجمع بين ابنتي عمِّه أو ابنتي خاله)).
[58] في (ز): ((إلَّا)).
[59] زاد في (ز): ((من غيره)).
[60] قوله: ((عن مالك)) ليس في (ص).
[61] في (ز): ((لم يحلَّ)).