شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة

          ░106▒ بَاب الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يَنَلْ وَمَا يكره فيها(1) مِنِ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ.
          فيه: أَسْمَاءُ: (أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لي ضَرَّةً، فَهَلْ عَليَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الذي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ: الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ). [خ¦5219]
          قال(2) أبو عبيد: قوله: (المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ(3)) يعني: المتزنِّ بأكثر ممَّا عنده يتكثَّر بذلك ويتزيَّن بالباطل، كالمرأة تكون للرجل ولها ضرَّةٌ، تتشبَّع بما تدَّعيه من الحظوة عند زوجها بأكثر ممَّا عنده لها تريد بذلك غيظ صاحبتها وإدخال الأذى عليها، وكذلك هذا في الرجل أيضًا.
          وأمَّا قوله: (كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ) فإنَّه الرجل يلبس الثياب شبه ثياب الزهد(4) في الدنيا، يريد بذلك الناس ويظهر من التخشُّع والتقشُّف أكثر ممَّا في قلبه منه(5)، فهذه ثياب الزور والرياء.
          وفيه وجهٌ آخر أيضًا: أن يكون أراد بالثياب الأنفس، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، يقال: فلانٌ نقيُّ الثياب(6)، إذا كان بريئًا من الدنس والآثام، وفلانٌ دنس الثياب، إذا كان مغموصًا عليه في دينه، ومنه قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر:4].
          وقال أبو سعيدٍ الضريرُ في معنى قوله: (كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ): هو أن يستعير شاهد الزور ثوبين يتجمَّل بهما ويتحلَّى بهما عند الحاكم، وإنَّما(7) يريد أن يقيم شهادته. وقال(8) بعض أهل المعرفة بلسان العرب: ولقوله ◙: (ثَوْبَي) فالتثنية(9) معنى صحيحٌ؛ لأنَّ كذب المتحلِّي بما لم يعط مثنًى، فهو كاذبٌ على نفسه بما لم يأخذ، وكاذبٌ على غيره بما لم يبذل.


[1] في (ص): ((وما ينهى)).
[2] في (ص): ((وقال)).
[3] في (ز): ((يملك)) والمثبت من (ص).
[4] في (ص): ((يلبس ثياب أهل الزهد)).
[5] قوله: ((منه)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((الثوب)).
[7] في (ص): ((فإنما)).
[8] في (ص): ((قال)).
[9] في (ص): ((التثنية)).