شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض

          ░105▒ بَاب حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَكْثَرَ(1) مِنْ بَعْضٍ.
          فيه: عُمَرُ: (دَخَلَ على حَفْصَةَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةِ، لا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ التي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا وحُبُّ رَسُولِ اللهِ صلعم إِيَّاهَا _يُرِيدُ عَائِشَةَ_ فَقَصَصْتُ على رَسُولِ اللهِ صلعم، فَتَبَسَّمَ). [خ¦5218]
          قال الطبريُّ: وقوله: (لَا يَغُرَّنَّكِ(2) أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم مِنْكِ) يريد عائشة، ففيه دليلٌ(3) أنَّه لا حرج على من كان عنده جماعة نسوةٍ في إيثار بعضهنَّ في المحبَّة على بعضٍ إذا سوَّى بينهنَّ في القسمة(4)، ومثله قوله ◙: ((اللَّهُمَّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك))، فالذي(5) سأل ربَّه ألَّا يلومه فيه(6) ما كان لا يملكه من نفسه، هو ما جُبِلت عليه القلوب من الميل بالمحبَّة إلى ما(7) هويته.
          وذلك ممَّا لا سبيل للعباد إلى خلافه ودفعها(8) عنه، وهو المعنى الذي أخبر عنه الله تعالى(9) أنَّهم لا يطيقونه من معاني العدل بين النساء، فعُلِم بذلك أنَّ كلَّ ما كان عارضًا لقلب ابن آدم من أمرٍ(10) مال إليه بالمحبَّة والهوى ممَّا لم يجتلبه المرء إليه باكتسابٍ ولم يتجاوز به العارض منه في قلبه إلى ما يكرهه الله ولا يرضاه من العمل بجوارحه، فلا حرج عليه فيه ولا تبعة تلحقه فيه فيما بينه وبين الله بسبب ما عرض له من فرط هوًى وصبابة نفسٍ. /
          قال(11) ابن حبيبٍ: ولمَّا كان القلب لا يُملَك ولا يُستَطاع العدل فيه وضع الله عن عباده الحرج في ذلك، لأنَّه(12) تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة:286]، وحسب الرجل أن يسوِّي بين نسائه في القوت والإدام واللباس على قدرها وكفايتها، ويقسم لها يومًا وليلةً، فيبيت عندها، وسواءٌ كانت حائضًا أو طاهرًا، ثمَّ لا حرج عليه أن يوسِّع على إحداهنَّ دون غيرها من صواحبها(13) بأكثر من ذلك من ماله.
          فأمَّا المسيس فعلى قدر نشاطه إذا لم يكن حبسه لنفسه عنها(14) إيقاءً لغيرها ممَّن هي أحبُّ إليه وألصق بقلبه، فذلك لا يحلُّ له أن يفعله، وهو من الميل الذي نهى الله عنه، فأمَّا أن ينشط في هذه(15) في ليلتها ويكسل عن هذه في ليلتها، فلا حرج عليه في ذلك، وذلك من الذي يقع في القلب ممَّا لا يملكه العبد.
          قال المُهَلَّب: وفيه أنَّ الصهر قد يُعاتب ابنته على الإفراط في الغيرة على زوجها، وينهاها عن مساماة من هي عند الزوج أحظى منها؛ لئلَّا يُحرِّج ذلك الزوج ويؤول الأمر إلى الفرقة.


[1] في (ص): ((أفضل)).
[2] قوله: ((هَذِهِ التي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا اللهِ_اللهِ.... _وقوله: لا يغرنك)) ليس في (ص).
[3] زاد في (ص): ((على)).
[4] قوله: ((إذا سوى بينهن في القسمة)) زيادة من (ص).
[5] في (ص): ((والذي)).
[6] في (ص): ((ألا يلزمه فيه شيء)).
[7] في (ص): ((من)).
[8] في (ص): ((ودفعه)).
[9] في (ص): ((عنه تعالى)).
[10] في (ص): ((شيء)).
[11] قوله: ((قال)) زيادة من (ص).
[12] في (ص): ((قال)).
[13] في (ص): ((صواحباتها)).
[14] قوله: ((عنها)) ليس في (ص).
[15] في (ص): ((ينشط لهذه)).